يتواصل أسبوع ARTE مع عرض Stopped on Track (٢٠/ ٩) للمخرج الألماني أندرياس دريسين الحائز جائزة تظاهرة «نظرة ما» في «كان» الأخير. في إحدى لحظات الفيلم، تقول الطبيبة لسيمون بعد ليلة عانى فيها زوجها فرانك ألماً مريراً: «يجب أن تُبقي زوجك في البيت، لا ينفع أن تأخذيه إلى المستشفى. دعيه يموت بينكم، بهدوء وسلام، محاطاً بعائلته. دعي أولاده يرون أن الإنسان يموت ساكناً».
قدم أندرياس دريسين هذا الفيلم؛ لأنّها قليلة هي الأعمال التي غاصت في اللحظات التي تسبق الموت.
يكتشف فرانك (ميلان بيشيل) الأربعيني أنّه مصاب بورم خبيث، وأنّ أشهراً فقط تفصله عن الموت. يتلقف الخبر مع زوجته عند الطبيب. بداية مشحونة بكلام الطبيب، وكاميرا ثابتة لا تتحرك في صورتها سوى دمعة خفيّة تسقط من عين الزوجة سيمون (ستيفي كوهنرت). بداية فيلم درامي لا يحاول تلوين الأيام الأخيرة التي سيعيشها فرانك مع عائلته. نرافق العائلة في مشوارها: إطلاع الأولاد على حالة الأب، زيارة المرشدين النفسيين، محاولات الرحلات الترفيهية الفاشلة، العلاج الكيميائي، وحتى احتفالات عيد الميلاد، ورأس السنة، وصولاً إلى ساعة الموت.
يأخذنا دريسين إلى عالم حقيقي ممزوج بالألم والوحدة والحب والخوف من الموت. لا يحاول أن يسلي المشاهد. حتى في لحظات المزاح، تخيّم مرارة الموت. نرى فرانك مع زوجته عند منظّم الدفن، يختار موسيقى دفنه، ويطلب عزف ألبوم «الرجل الميت» لنيل يونغ كاملاً. لا مجال للحلم والهروب من حتميّة الموت من خلال الخيال السينمائي. لكن دريسين يعوّض عن هذا الهروب، بلحظات حب غنيّة، كتقبيل الزوجة، وممارسة الجنس رغم الوهن الجسدي، وملامسة وجه ابنه وهو يصوره.
ارتكز دريسين أيضاً على مشاهد يصورها فرانك طوال الفيلم من خلال الـ«iPhone». تقنيّة أغنت مشهديّة الشريط بفضل نوع الصورة الملتقطة من الـ«آي فون»، وما تحمله من بُعد حميميّ وخاص، عاكسةً نظرة المريض الشخصية إلى ما يجري حوله، كأن كاميراه تنطق بمونولوجه الداخلي. علماً بأنّ المخرج كان قد حدّد المشاهد والأحداث مع أُطر الشخصيات من دون كتابة سيناريو مفصّل للفيلم. بل عمل مع الممثلين على خلق النص والمشاهد خلال التصوير. واستعان بطاقم من الأطباء أدوا أدوارهم في الفيلم، ما أعطى هذه الصدقية المقنعة للحوارات.
كذلك، إن الممثلين الأربعة: الزوج والزوجة والولدين الاثنين، أجادوا تقديم دورهم بعيداً عن الكليشيهات. فيلم بقدر ما هو قادر على إبقاء الدمعة رطبة في أعيننا، يصالحنا مع الموت.
أما يوم الخميس ٢٢ الحالي، فننتقل إلى السينما الكورية مع فيلم «نهر تومان» (٢٠١٠) لمخرجه زانغ لو. تدور الأحداث في قرية صغيرة قريبة من نهر تومان الذي يفصل الصين عن كوريا الشمالية. تشهد هذه المنطقة هروب الكثير من الشبان إلى الصين من خلال عبور النهر المتجلد في الشتاء. يموت بعضهم، بينما ينجح آخرون في الوصول إلى القرية، ومنها إلى الصين. وغالباً ما يحاولون طلب مساعدة أهل القرية لحمايتهم من الشرطة. إلّا أن حوادث متكررة في هذه القرية، جعلت بعض الأهالي يلاحقون الفارين من كوريا الشمالية.
يطبع الإيقاع البطيء هذا الشريط الذي يعطي مساحة لطبيعة المكان، ونهره المتجلد من خلال مشهديّة يصغُر فيها الأفراد. الصمت السينمائيّ الحافل بالتوتر، يحتلّ حيزاً كبيراً في موسيقى «نهر تومان». يخلق روتيناً جميلاً لقريته، وتكراراً يمنحها هوية خاصة. قصص أهالي القرية البسيطة تتكرر وتتراكم: السكارى الواقفون على باب الحانة الصغيرة، المختار الذي يعلن بالمذياع كل خبر قد يعني الأهالي، الأغاني الخاصة بالقرية أو النهر كلما اجتمع اثنان أو أكثر، الصبية لا يخططون إلا للعب كرة القدم.
وبموازاة ذلك، نرى تكرار الهاربين فوق جليد نهر تومان... يلاعب زانغ لو كل هؤلاء ضمن سيمفونية بيضاء جميلة ملطخة بالجريمة.