لم ينجح الباحث والكاتب السعودي إبراهيم الهطلاني في روايته «مملكة جبران» (دار رياض الريس) في التخلّص من أعباء الكتابة البحثية الساعية إلى الكشف عن أحوال المجتمعات المقموعة، والراضخة لقراءات دينية، تكرّس حكم العائلة الواحدة، وتكفّر من يعترض على ممارساتها الاستبدادية. تدور أحداث روايته الجديدة إذاً في المملكة العربية السعودية، وتقدم قراءة اجتماعية وسياسية للمجتمع السعودي من خلال تحليلات وملاحظات ذكية، تتعلق بالواقع المرير الذي يعيشه أبناء المملكة. لكنّ الكاتب اختار أسلوب التورية؛ إذ عمد إلى الرمزية في سياق سرده، مطلقاً على المملكة العربية السعودية اسم مملكة جبران، مسمياً آل سعود باسم «أبناء جبران».لا يضع الكاتب معرفته البحثية في نسيج روائي مقنع، يُمارس من خلاله صنعة الكتابة وألاعيبها. يختار هنا تقديم رؤيته للمجتمع السعودي على ألسنة شخصياته مباشرة، يفتقر إلى الفنية؛ إذ بدت الحوارات بين هذه الشخصيات طويلة، تسبّب الضجر.
بطلة الرواية غزالة، شابة تتحول بعد زواجها بوزير الأمن إلى صاحبة نفوذ مطلق. ومن موقعها ذاك، تسطو على بعض الأراضي المملوكة من آخرين، لتبني فيها القصور، وتتحدّى حُرّاس الفضيلة علناً. يستطلع الكاتب من خلال هذه الشخصية الظلم الذي تمارسه الأسرة الحاكمة على الشعب، وتحالفات هذه الأسرة مع المؤسسة الدينية، لإصدار فتاوى تتبع هوى الحاكم ومصالحه.
من جهة ثانية، يعرّي صاحب «كتابات عاصفة في الفكر والسياسة» ظاهرة التطرف الإسلامي، كاشفاً دور الأسرة الحاكمة في تعزيز انتشاره طويلاً، من خلال إرسال المجاهدين إلى أفغانستان لمحاربة الجيش السوفياتي.
ويستطلع أثر التقلبات في التحالفات والمعادلات الدولية على مقاربة المملكة للأحداث؛ إذ ظهرت فيها عقلية أمنية هستيرية، ضد المتطرفين الإسلاميين، وقع ضحيتها مالك ومازن، وهما شابان جامعيان، يمضيان الوقت في التسكُّع، ومعاكسة الفتيات، والسهر وممارسة الرياضة من دون أي نشاط سياسي أو اجتماعي. وذات خميس، وفي أثناء نزهتهما بالسيارة قرب قصر غزالة زوجة وزير الأمن، يُلقى القبض عليهما بتهمة التخطيط لعمل إرهابي، فيما كانت كلّ رغبتهما معاكسة بعض البنات. وهنا تبدأ قصّة أخرى؛ إذ يحشر في زنزانة واحدة، المتهم بالإرهاب، والمجاهد، والناشط السياسي، و«مُعاكس» البنات، والمعتقلون السلفيون. ينعكس هذا مباشرةً على مستقبل مالك. حالما يخرج من السجن، يشارك في تنفيذ عملية اغتيال أحد مسؤولي الأمن في المملكة. تفشل العملية ويعود الشاب الذي تحطم مستقبله إلى الزنزانة.
في الجزء الأخير من الرواية، وقبل أن تموت غزالة بمرض عضال، تحضر إلى المملكة صحافية أميركية، لتعدّ تقريراً عن أحوال المرأة وحقوق الإنسان. تصطدم بواقع بلد يحاول أن يقدّم صورة إيجابية عن نفسه في الغرب، لكنه يعيش في حالة مناقضة تماماً لما يدّعيه. علّ فضح ممارسة أسرة حاكمة مستبدّة، هو الميزة الوحيدة التي تقدّمها رواية «مملكة جبران». إلا أنّ الكاتب لم يستثمر هذه الخاصية جيداً بسبب تغيير الأسماء وتجهيل الأمكنة. لكن حين نعلم أنّ الرواية مُنِعَت في «معرض الرياض الدولي للكتاب»، قد نعذر إبراهيم الهطلاني.