نهار خريفي جميل في «أسواق بيروت» التي لا تكاد تخرج من «مهرجان» إلا لتدخل في آخر، مع مكانة أساسيّة لـ «الجاز». نضع العبارة بين مزدوجين لأن هذا التصنيف المطاط بات يحتمل في لبنان كل أنواع الموسيقى، حتّى فرقة حسب الله. نحن في «سوق العجمي» تحديداً (لمن يذكرها)، بدعوة من «سوليدير»، مالكة المكان، للاطلاع على برنامج الدورة الرابعة من «مهرجان بيروت للجاز» الذي ستعلنه رنده أرمنازي. بلباقة وفصاحة تتحدّث مديرة العلاقات العامة والاعلام في الشركة، من دون أن تفوتها تحيّة الفنانين والشركاء والرعاة والاعلام...
«يسر سوليدير أن تستمر في ارساء هذا التقليد الذي يندرج ضمن النشاطات الثقافيّة والفنيّة التي تشجّعها الشركة، من خلال استراتيجيّتها الهادفة إلى ترسيخ دور بيروت الثقافي والفنّي الرائد» تقول، قبل أن تقرأ مقتطفات تعريف قصيرة بالفنانين الأربعة الذين يدور حولهم برنامج هذا العام. هناك اللبنانيان ربيع أبو خليل الذي يفتتح مع فرقته التظاهرة في 30 أيلول (سبتمبر)، ثم فيليب الحاج الذي يتبعه مع فرقته في الأوّل من ت1 (أكتوبر). بعد ذلك يأتي دور تشوشو فالديس عازف البيانو الكوبي ورائد الجاز اللاتيني الذي يأتي إلى بيروت مع الـ Afro Cuban Messengers ليحيي أمسيته مساء 6 ت1 (أكتوبر). ومسك الختام في 8 ت1 (اكتوبر) عازف الغيتار الأميركي ماركوس ميلر الذي سيذكّرنا الجميع بأنّه عمل مع مايلس ديفيس، وتعاون مع جان ميشال جار، إلخ. شيء ما يجعلنا نحسّ (وربّما كنّا مخطئين) أن الكلام عن الموسيقى هنا، يأتي في المرتبة الثانية بعد الحدث الاجتماعي. لا نماذج فيديو من الاعمال، ولا تناول جدي للتجارب يفتح شهيّة الجمهور. جان كاسابيان الجالس إلى المنصّة والذي لم تعلن صفته الحقيقية ودوره في المهرجان، يتكلّم رغماً عنه. يقطّر بعض المعلومات العامة ويصمت، فاقداً لأية حماسة ـــ أو لذّة ـــ في تقديم الفنانين وما يمثلونه على الخريطة الموسيقيّة. المؤلف الشاب وعازف البيانو اللبناني فيليب الحاج يقدّم تجربته بسرعة، ويقول إن له الشرف المشاركة في مهرجان يعزف فيه ربيع أبو خليل. يأخذ المذكور الكلمة: «اسألوني شي سؤال... كيف بدق بالعود مثلاً». ثم يكشف لنا أبو خليل ان مغنّي الفادو البرتغالي ريكاردو ريبيرو سيشارك في أمسيته، إضافة الى الفرقة التي يعمل معها من 15 عاماً. بعد ذلك يتبرأ من تصنيف «الجاز» الذي بنى عليه رواجه في الغرب لسنوات: « أنا ألحن» وكفى! لعلّه يعرف أن هواة الجاز لم يعتبروه يوماً من فنانيهم. كان «الجاز الشرقي» موضة وعبرت، قبل أن يمضي إلى صرعات أخرى تحت مظلّة «موسيقى العالم». مات الجاز يعيش الفادو! يتكرّم علينا ربيع أيضاً بمعلومات قيّمة وجديدة عن تشوشو فالديس: «إنه من أهم موسيقيي جنوب افريقيا... عفوا جنوب أميركا».
فوق المنصّة أيضاً وكيل ماركة سيارات فخمة من رعاة المهرجان. وهناك لحسن الحظّ منى فارس المديرة العامة (نعم بالمؤنث) لوزارة السياحة بالإنابة. تتحدّث عن الثقافة الجادة كمورد سياحي وتنموي، تلفت إلى بروز أسماء وأشكال جديدة في الفن اللبناني من شأنها أن تجذب جمهوراً مثقفاً حول العالم. تشير إلى دعم المهرجانات في المناطق البعيدة عن المركز، عن «زيادة الاعتمادات لهذا النوع من النشاطات». وتعبّر عن اهتمام الوزارة بإعداد «روزنامة للنشاطات الفنية والثقافيّة في لبنان، تسمح للسائح أن ينظّم زيارته على أساسها».