كشفت الرقابة مجدّداً، أوّل من أمس، عن هشاشة الدولة المدنيّة الخاضعة للإكليروس ووصايته الأيديولوجيّة. وكالعادة، تحرّك الأمن العام اللبناني، ساعياً (ضدّ منطق القانون)، إلى مصادرة برنامج حيّ قبل أن يبثّ على الشاشة الصغيرة. «الخطر الداهم» هذه المرّة، حلقة «أحمر بالخط العريض» التي كانت مخصصة لـ«التربية الجنسيّة»، مساء الأربعاء على lbc. وكاد حرّاس الفضيلة يشطبون هذا السؤال التربوي، الحيوي والراهن، باسم حماية العائلة، لولا إصرار بيار الضاهر على بثّ الحلقة (مكتفياً ببعض التعديلات).
لعلّ رئيس «المركز الكاثوليكي للإعلام»، الأب عبدو أبو كسم الذي أثار حفيظته الشريط الإعلاني، هدأ من روعه آخر النهار، وهو يتفرّج على برنامج تميّز بالجديّة والنقاش الهادئ.
أليس من الطبيعي أن يؤدي الإعلام المرئي والمسموع دوره في فتح نقاش صحّي، في هذا الموضوع المثير للجدل، في بلد يعيش ازدواجيّة مزمنة بين بنى تقليديّة وحداثة سطحيّة؟ نيات المحطّة قد لا تكون إصلاحيّة حصراً، لكن مالك مكتبي يستحق تحيّة تشجيع لطرحه مثل هذه القضايا. نأسف فقط لكون النقاش لم يذهب إلى نهايته، بسبب كثرة المحاور.
ولا شك في أنّ المشاهد المتنبّه ابتسم وهو يراقب التوازن الطائفي بين المدافعين عن التربية الجنسيّة ومعارضيها، ثم احتدام الجدل بين علي «التنويري» (لا شارل الذي كان في خندقه) والسيد زعيتر الذي يرى، مثل جاره الملتحي الشمالي، أن التربيّة الجنسيّة إنّما تشجّع على الفسق. لكن أجمل ما في «أحمر...» كان العيّنة المتنوّعة من المراهقات والمراهقين الذين تناولوا تلك المسائل الحميمة، بوعي وبساطة مدهشتين. لقد أكّد حضورهم أهميّة التوعية والحوار مع الأهل، والتعامل العقلاني مع أسئلة الجنس، بعيداً عن الأبلسة وعقد الذنب. وقد لاحظنا أن معظم المشاركين لجأوا إلى الفرنسية أو الإنكليزيّة، كأن الكلمات نفسها تبدو «وسخة» في لغة الضاد! لكن تلك مسألة أخرى.
نأسف أخيراً لكون بعض الاختصاصيين وقع في فخّ المواعظ. كاتيا خوري من جمعية «سكورا» للتوعية الجنسية، كانت ممتازة في وصفها وظائف الأعضاء، وتناولها العادة السريّة بطريقة علميّة، خلافاً للدكتور فيصل القاق الذي ركّز على «الحالات المرَضيّة» لهذا السلوك الجنسي (هل ندين الأكل لأنّه يسبب البوليميا؟). لقد حدّد وظيفة الاستمناء بسطحيّة أخلاقيّة، ليست مطلوبة منه كطبيب. وصدرت عن الدكتور درر كثيرة أخرى: «التوعية الجنسية تعزز ثقافة الامتناع»، «الجنس فكرة مقدسة، وليس علاقات جسدية»، «إذا وعّيت ابنك جنسياً، فسيتوقف عن حضور أفلام السكس».
لكن سعفة أسوأ أداء تذهب بلا تردّد إلى فادي حلبي (سكورا) الذي اقترح، باسم «العلم»، ثلاث وسائل للوقاية من الأمراض الجنسيّة: «الامتناع»، و«الوفاء لشخص واحد»، و... «الواقي الذكري».