«سيمفونية الولد الحافي ما يْكون» قصة قصيرة لطه محمد علي نشرت ضمن مجموعة قصصية بالعنوان نفسه (2003)، بينما ذيلت القصة بتاريخ كتابتها ومكانها «الناصرة، تشرين الأول 1996». تتمحور القصة حول خالد الحافي. تدور الأحداث السردية من خلال نسيج تفاصيل الحفاء وما يترتب عليه من صراعات يومية بين الأرض والقدم العارية، صاحب القدم ووالديه والبيئة الاجتماعية المحسوسة التي تنظر إلى حفائه. من جانب آخر، يتميز خالد بمحاولاته الدؤوبة للتغلب على الحفاء عبر شراء حذاء. رغم رغبتهما في توفير الحذاء لخالد، إلا أن والديه لا يستطيعان توفير المبلغ لذلك. يتميز النسيج السردي للحالة الوجودية (حفاء) بوصف دقيق لما تتكبده القدم الحافية من جروح وصدمات، والأساليب التي تستخدمها أم خالد في علاج قدم ابنها.
الحدث الأساسي في القصة هو قدوم بائع أحذية متجول إلى القرية، وهذا البائع ليس محلياً بل مغربيّ. خالد لم يعد يأمل أن يحصل على حذاء، فلم يذهب لمشاهدة أحذية البائع المتجول. يحصل التحول عندما يبلغه أحد أقرانه أن المغربيّ يبيع الحذاء بثمن بخس مقارنة بالسعر في قريتهم. يجنّد خالد والديه اللذين يقترضان المبلغ من جيرانهم. وعندما يصل خالد إلى البائع، يكون قد باع بضاعته باستثناء فردتيْن يمنييْن. بعد محاولات عدة، يقنعه خالد ببيعه الفردتين، لكن عند عودته إلى البيت ومحاولته انتعالهما يفشل في الوقوف ويقع على الأرض عند كل محاولة. يجبره والده على إرجاع الحذاء، فيقوم بذلك ويسترد المبلغ الزهيد. خالد لا يملك حذاءً، ولن يملك الحذاء. قد تكون هذه التيمة عن الولد الحافي من أكثر المواضيع تكراراً في الأدب والفن والسياسة، وفي العديد من الثقافات، نظراً إلى العلاقات الاجتماعية التي تفرز الهرمية بين من يملك ومن لا يملك قدرة الحصول على مقومات العيش الأولية من مسكن وملبس ومأكل.
في القصة درجة عالية من المتانة في البناء نابعة من تطابق مذهل بين الموضوع، اللغة، الشخصيات، الحدث، والحركة بينها. خالد، عكس سندريلا، لا يقابل أميرات، بل يقابل بائعاً متجولاً من طينته الاجتماعية الاقتصادية. والبائع ليس من القرية التي لن يحدث فيها حراك أو تحوّل كما يزعم الخطاب التنويري الأدبي، بل باختيار دقيق هو «مغربي»، غريب قريب. واللغة رشيقة بسعيها بين العامية والعامية المُفصحة، حسية ذهنية ببلاغتها العالية التي تقارب حدّ التحقق التاريخي للحدث وإن لا تدّعي المطابقة.
الحذاء هو الحذاء، بكل ما ينوء به من حمل، وما قد يدوسه من أرض. للوهلة الأولى، لا يستطيع المرء ألا يرى التطابق الفذ، إبداعياً، بين محاور التاريخ الفلسطيني الحديث من حيث مقومات المأساة المتكررة، والمحاور التالية في البناء الأدبي لهذه القصة: مالك الأرض لا يستطيع الوقوف عليها بسبب الهرمية الاجتماعية الاقتصادية. تستنزفه الأرض ولا يفتأ يحاول استرداد استخدامه لها بشراء الحذاء عبر إعادة تفعيل جماعيّة القرية من جديد. لا تنجح المحاولة العينية في الحصول على حذاء، وتبقى بنية التناقض القصصي مفتوحة باستمرار مأساوي. هذه الإمكانية في التفسير واردة، إلا أن الشحنة الحسية ـــ الذهنية تحمل ما هو أكثر تجذراً من الحالة الفلسطينية العينية: الفعل الإبداعي هنا يتناول المأساة الإنسانية الأولى، تلك التركيبة الاجتماعية التي تسلب إمكانية العيش للفرد.
والسؤال: هل هذا من طبيعة التركيب الاجتماعي؟ أم هو محصور في نوع محدّد منها؟
في الأدبيات عن الأدب الذي تسعى إلى حثّه لإطلاق العنان للتحرر، كان الفرد/ البطل هو الحامل للنصر كما للهزيمة. تعلمت من قراءتي لطه محمد علي أن هناك حلاً تركيبياً قد يرتقي بنا أدباً على الأقل: هنا النص الحافي هو البطل.