لعلّ القصة القصيرة «السيدة صاحبة الكلب» التي كتبها تشيخوف عام 1899، تلخّص واقع الإعلام في سوريا. كلما حاول غوروف بطل الحكاية، لقاء عشيقته آنا سيرجيفنا، اضطر إلى الاحتيال على مجتمعه الذي يفرض عليه قيوداً حديدية. وهو ما يتكرّر اليوم في سوريا مع الصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء العالمية. يتحدّث راشد العيسى لـ«الأخبار» عن يوميات عمله منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية:
«عندما تزوّج الأمير ويليام قبل أشهر طلب هو وزوجته من الصحافة الابتعاد عن حياتهما الخاصة كي يتمكّنا من قضاء شهر العسل بعيداً عن عدسات الكاميرات. يومها أطلق السوريون نكتة تقول إنّه على الثنائي الشهير الاستمتاع بشهر العسل في سوريا... فهنا لا مكان للصحافة أو المراسلين أو الكاميرات». يومياً، يخرج هذا الصحافي من منزله متوجهاً إلى عمله «لكن من دون بطاقتي الصحافية (...) لأنها باتت مصدر خطر على من يحملها». وهو ما أكدته أيضاً مراسلة تلفزيون «فلسطين» أمل شاهين قائلةً: «بات التصوير في شوارع دمشق مغامرة، وتجنّب أعين الأمن تحوّل إلى هاجس لأي مراسل تلفزيوني. وشخصياً بت أفضّل التصوير الداخلي، وتأجيل تنفيذ بعض التقارير إلى حين عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الأحداث».
وتشير شاهين إلى أن مصاعب العمل الإعلامي لا تنحصر فقط في منع المراسلين من التنقل بحرية، «هناك بعض المسؤولين الذين يتملصون من إجراء لقاءات صحافية». المشكلة إذاً متعددة المصادر. هذا تحديداً ما يشرحه الصحافي جوني عبو الذي يعمل مراسلاً لعدد من وكالات الأنباء العالمية بقوله «المشكلة الكبرى تكمن في بعض المفاصل القيادية الإعلامية العليا التي تشخصن علاقات العمل... أو تتعاطى مع المراسل، على أساس توجهات الوكالة أو المؤسسة التي يمثلها». ويضيف: «سياسة المنع هذه خلقت آلاف المراسلين البدلاء. هؤلاء استفادوا من الثورة التقنية والإلكترونية التي لا يمكن التعاطي معها بعقلية متخلّفة، تمارس الإقصاء والانتقاء». من جهته، يقول راشد العيسى إن حالة التعتيم الإعلامي، ومنع المراسلين الصحافيين من العمل الميداني «ليست فقط انتهاكاً لحق الصحافي في العمل وفي تقصي الحقيقة، بل إنها انتهاك لحق أساسي من حقوق الإنسان، أي الحق في الوصول إلى المعلومة». ويشير إلى أنّ سياسة التعتيم هذه ستؤدي إلى مزيد من التضليل وتشويه الحقيقة. وينتقد هذا الصحافي «تقسيم وسائل الإعلام إلى وطنية ومغرضة»، بل يرى أنّ هذا التمييز هو مجرد محاولة من السلطة لإيهام الناس أن هناك مصدراً واحداً فقط للأخبار «وهذه الخطوة قد تحرم المواطنين من فرصة حقيقية في تكوين وجهة نظر مستقلة». ورأت أمل شاهين أن سياسة التعتيم الإعلامي، والجدار الحديدي الذي فرضته السلطات السورية على مختلف وسائل الإعلام وإغلاق مكاتبها «زادا من ضبابية المشهد وكان لهما تداعيات سلبية على الحكومة السورية، قبل أن يكون لهما تأثير سلبي على المعارضة... فإن هذه الخطوات دفعت الفضائيات إلى اللجوء شهود العيان والوقوع في فخ المبالغة». وتسأل: «إذ كان النظام بريئاً من كل اتهامات المعارضة، فلماذا لا يسمح للصحافيين بممارسة مهامهم بشكل طبيعي؟». من جهته، يجد جوني عبو أن سياسة التعتيم ليست حلاً مناسباً، لكن السلطات السورية «تصرفت على أساس أنّ هذا الخيار هو أهون الشرَّين. وسائل الإعلام ليست مؤسسات خيرية وليس بمقدورنا أن نطلب من الوسيلة الإعلامية أن تعتمد اللغة الخشبية نفسها التي تعتمدها الصحف المحلية مثلاً». ويضيف أن المرجعيات الإعلامية الرسمية السورية، «أدمنت التعاطي الخاطئ مع الإعلام الخارجي، ولا تزال تتصرف مع المراسلين وفق تصنيفات وتقسيمات مخجلة وغير موضوعية وغير محقة».
وفي ختام حديثه، يؤكد عبو إنّ «وسائل الإعلام الغربية لا تقبل بسياسة الرأي الواحد أو اللون الواحد، والاحتجاجات الكبيرة والتظاهرات المهمة التي حصلت في الأشهر الاخيرة دلت على غياب الرأي الآخر، وهذا جزء من المشكلة».
كل هذه الرقابة
لا ينفي بعض الصحافيين السوريين أن الفضائيات العربية والغربية وقعت في أخطاء عدّة وفادحة: من سياسة شهود العيان وصولاً إلى بثّ صور غير واضحة وأشرطة مموهة من دون تحديد مصدرها. إلا أن هؤلاء يرون أنه كان في إمكان السلطات السورية أن تتفادى ذلك من خلال السماح لكل الإعلام بتصوير الاحتجاجات «لا أفهم كيف ينتقد الموالون قناة «الجزيرة» وقد أقفل مكتبها ومنعت من ممارسة مهامها على كل الأراضي السورية؟» يقول أحدهم.
7 تعليق
التعليقات
-
هند نور زينب كلامكم جميلهند نور زينب كلامكم جميل وخاصة كما قالت والدة زينب بأنها استلمت جثة ابنتها من المشفى العسكري وورقة موقعة من الطبيب الشرعي ووثيقة وفاة كي تسطيع دفنها فمن هو الكاذب بدولة امنية قمعية متوحشة بإمتياز على كل سيعرف كل شيئ .
-
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليهأيوه خبطة معلم يختبئ من عيون الأمن كرمى لله ما هذه المغامرات الدونكيشوتية لو الأمن أصلا كان مضيق الخناق على الناس كما تدعون لما كنا وصلنا لهنا أصلا . بس طلعت بعض ناس مش لابقلها فهموني كيف انحفرت أنفاق كاملة بالمعضمية تصل بين مطعم ومسجد وبيوت وأماكن أخرى كانت مليئة بالسلاح والذخائر والمسلحين وقبض عليهم الجيش وهذا حصل ببداية الأحداث يا عيني هالسلمية وهذا غيض من فيض.كيف؟هذا لايحصل بين ليلة وضحاها السلميون التكفيريون يعملون منذ سنوات وكان للأمن معارك واشتباكات معهم خلال السنوات السابقة كلنا في سورية كنا نسمع بها وكان هناك شهداء من الأمن خلال مداهمات لأوكار العصابات ولكن المخطط الأصلي أكبر من أحداث متفرقة.الأمن الذي قتل رجال من أفراده ومثل بأجسادهم اليوم يتابع مهمته النبيلة في منع من يحلمون بنشر الذبح على الهوية من تحقيق أحلامهم.كنا وما زلنا نتغنى بأمان سورية بفضل من؟ بفضل العيون الساهرة على حمايتنا لهم منا كل العرفان بالجميل رجال الأمن لا يخيفون إلاالمجرم.هل ستنشروا؟
-
أنا أحتج على إحتجاجات"منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية" ياسيد أنس زرزر المحترم أرجوك جملتك المتكررة والله مو حلوة بحق الشهداء والإعتقالات والمجلس الوطني وكل مايحصل، أهالي الشهداء لا يحتجون فقط أهالي الشهداء يثورون، ومقالك هذا لاجديد فيه، فكل المحطات العالمية والعربية تنادي منذ أشهر طويلة بأن اسمحوا للصحافيين جميعهم من الداخل والخارج أن يغطوا الإحتجاجات حسب رأيك... ماالجديد في المقال أرجوك ماهي الإضافة... خلصنا بقى، لاأتخيل أن إدارة الأخبار تمنعك من الخوض بعمق أكبر وكتابة ماهو أكثر قرباً من البشر ويعكس صورة مايحصل بشكل أكثر دقة. ياعزيزي إذهب للناس وابحث عن هموم الناس، الناس وليس الأعزاء الصحفيين الذين استنجدت بأرائهم لأن أرائهم منشورة في أكثر من محطة وصحيفة، أرجو من إدارة الصفحة نشر هذا التعليق أرجوكم فالمصلحة الأهم هي البشر وأنا واثق من أنكم ستنشرون هذا الرأي على صفحاتكم، كل المحبة للأخبار وللسيد زرزر.
-
تحذير مهم .. أنس زرزر عادتحذير مهم .. أنس زرزر عاد لصحوه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!! مادة مبكلة ياصديقي ثابر إلى الأمام وفقك الله يا دكتور المستقبل وفراشة الحدائق الخضراء لك ما تبلى هالجديلة