بين «الأنفال» و«الفزاعات»، أكثر مما للجغرافيا أن تقوله عن كردستان العراق. إنه الوثائقي مقابل المجازي: الأول يعيدنا إلى الفظائع التي عاشها الشعب الكردي، بينما الثاني يأخذنا إلى ماض عاش في ظلّ الفزاعات، وصولاً إلى الحاضر الذي لم ينجح في الخلاص منها.
«الأنفال ــــ شظايا من الحياة والموت» (12/10) للمخرج السوري الكردي المقيم في سويسرا مانو خليل. فيلم مدجج بالوثائق، بدءاً من مراسلات حزب البعث العربي الاشتراكي وتعليماته بخصوص «الأنفال»، الاسم الذي أطلق على حملة إبادة الشعب الكردي التي قادها حسن علي المجيد، وصولاً إلى الصور الأرشيفية للمجازر، ومعها الناجون من تلك المجازر. سنكون أمام فظائع وصور مريعة، وأغلب القتلى من الأطفال، لا بل أغلب الصور التي نراها تكون لأم ميتة تعانق طفلها القتيل. وهنا يمسي فعل المشاهدة مجابهة مع مجزرة لا يمكن إلا العودة إليها ووضعها أمام أعيننا. إنها في هذه المنطقة وما يفصلنا عنها أقل من ثلاثين سنة. الفيلم يؤكد حقيقة ملتبسة. فإذا كان في «حلبجة» قد قُتل 5 آلاف بالسلاح الكيميائي، فعملية «الأنفال» قتل فيها أكثر من 182 ألف كردي. رقم نازي بامتياز، لوثة دموية عجيبة، ينهيها مانو خليل بمشهد وجه تلك الفتاة الكردية الجميلة، ثم بمشهد لأناس يجلسون في حديقة آمنة وهادئة في أربيل، حيث الأمل بألّا يتكرر ذلك أبداً. أما في «حي الفزاعات» الروائي (7 و 8/10)، فيسعى العراقي الكردي حسن علي محمود إلى تقديم مجاز خاص بكردستان العراق، يجده في الطيور، وتحديداً الغربان التي تربّت على أكل جثث القتلى في الحروب التي تحيط بسكان القرية التي يقدّمها الفيلم ويكثف من خلالها كردستان العراق. تتحول الطيور إلى لعنة تأكل كل ما يبذره حما الذي يعمل لدى الإقطاعي أو السيد الذي يتحكم في كل شيء في القرية. ومع نثر البذار، تأتي الطيور التي تربّت على الحرب ومصّ الدماء.
الرمز واضح، ثم تحول كل ما في القرية من البشر إلى فزاعات، كما هي نهاية الفيلم، باستثناء الإقطاعي وخادمه. ويكون ذلك المستوى الأول من الفيلم، مع وجود مستوى ثان يتمثل في شيء من الكاريكاتورية والدراما التلفزيوية التي أساءت كثيراً إلى المستوى الأول المقدم بحرفية عالية وبلاغة بصرية تقول كل ما يودّ الفيلم قوله من أن اللعنة ما زالت تلاحق الأكراد.