القاهرة | كما كان متوقعاً، لم تعزل الصحافة المصرية نفسها عن طوفان الغضب الذي اجتاح الشوارع بسبب عدم الاستجابة لكل مطالب «ثورة 25 يناير». هكذا، انطلقت حركة احتجاجية من داخل المؤسسات الصحافية، دعت إلى إضراب عام في الأول من الشهر المقبل. إلا أن تسارع وتيرة الرقابة على المطبوعات دفع مجموعة كبيرة من كتّاب المقالات إلى إطلاق حملة «الأعمدة البيضاء»، احتجاجاً على تدخل الرقيب العسكري في حرية الصحافة.
وقد امتنع صحافيون مصريون أمس عن كتابة أعمدتهم اليومية، وحلّت مكانها مساحة بيضاء. وكان الزميل وائل عبد الفتاح («التحرير»)، قد بادر إلى الامتناع عن الكتابة يوم الجمعة الماضي، قبل تفعيل الدعوة وتنفيذها أمس بمشاركة واسعة من أسماء بارزة مثل عادل حمودة («الفجر»)، وبلال فضل («التحرير»)، وعمر طاهر («التحرير»)، ونجلاء بدير («التحرير»)، وطارق الشناوي («التحرير»)، ووائل قنديل («الشروق»)، وعبد الرحمن يوسف («اليوم السابع»)، وعلا الشافعي («اليوم السابع») وغيرهم... إلا أن أصواتاً أخرى من بينها دعاء سلطان، الناقدة الفنية في «التحرير»، رفضت هذه المبادرة.
أما الحجة فهي أن صحافيين داعمين لمبارك يشاركون في الحملة، والحل الوحيد لمواجهة الرقيب برأي سلطان هو الاستمرار في الكتابة لا «الامتناع السلبي». واستشهدت بالمدونين الذين خصصوا قبل أسابيع يوماً للتدوين احتجاجاً على سياسات المجلس العسكري. لكن رغم تباين الآراء حول «الأعمدة البيضاء»، إلا أنها بالتأكيد حرّكت الكثير من الأمواج في بحر السياسة المصرية الهادر بالأساس. إذ يعاني الإعلام على كل مستوياته من حصار غير مسبوق في الآونة الأخيرة. وبعدما ظنّ المتفائلون أن الرقابة بثوبها القديم لن تعود أبداً، فوجئوا بأن النظام الجديد يستخدم أساليب لم يفكر بها رموز الرقابة في عهد مبارك.
وقد صودرت في غضون أسبوع واحد جريدتا «صوت الأمة»، و«روز اليوسف» وأجبر مديروهما على تغيير مواضيع تتناول جهاز الاستخبارات العامة. وسبق هاتَين الخطوتَين، إغلاق مكتب «الجزيرة مباشر مصر»، ثمّ توجيه إنذارات لقناتَي «دريم» و«أون تي في»، وتعرض قناة «التحرير» للتشويش أثناء تقديم إبراهيم عيسى لبرنامج «في الميدان» أول من أمس الثلاثاء. وحتى الآن لا وجود لأي مؤشرات حول الحدّ الذي قد يصل إليه إضراب الصحافيين المصريين مطلع الشهر المقبل، خصوصاً أن انتخابات نقابة الصحافيين تسبق الدعوة إلى الإضراب بنحو أسبوعين ونتيجتها ستكون مؤثرة بالطبع على مجريات الأحداث. وقد وجّه الصحافيون الدعوة لعمال المطابع والموظفين لمشاركتهم في الإضراب.
وبعيداً عن كل الاحتمالات، لفتت الدعوة الأنظار إلى المتاعب التي يعانيها الصحافيون المصريون. وهو ما يراه البعض نتيجة طبيعية للتراكمات التي خلّفها النظام المخلوع. وحتى الساعة، لا يزال قانون حق تداول المعلومات غائباً، وحبس الصحافيين قائماً، إلى جانب تدهور أجور الصحافيين إلى أقل من 100 دولار شهرياً في عدد من الصحف الحكومية والخاصة، وغياب أي خدمات حقيقية تبعد عن الصحافي الضغوط المادية التي تؤثر على عمله وعلى آرائه السياسية.