القاهرة | بدأت نورا أمين أخيراً تقديم «عرضين ضد بعض» على مسارح الإسكندرية وبورسعيد والقاهرة. العرض الذي يقدم طوال هذا الشهر، أشبه بأمسية مسرحية مكوّنة من عرضين يمثّلان اتجاهين فكريين متضادين، على رغم أنّهما لمخرجة واحدة: العرض الأول «اسمي محمود بدر»،
من بطولة الممثل محمود بدر، الذي يقدم حكايته مع الثورة المصرية. صحيح أنّه لم تكن لديه أي انتماءات حزبية ولا نشاط سياسي، إلا أنّه شارك في التظاهرات بدءاً من يوم 25 يناير وجرى اعتقاله. بينما يؤدي العرض الثاني «انترفيو» ممثل إسكندري مخضرم هو شريف الدسوقي. ويتخذ «انترفيو» شكلاً تمثيلياً واضحاً من خلال نجم مجتمع أو شخصية عامة تعمل كداعية أو كرمز ممن لهم تأثير في الرأي العام، لكنها في النهاية شخصية تتقن المراوغة والقيادة واقتناص الفرص، وهو ما يظهر حتى في إطار البرنامج التلفزيوني الذي يتخذ العرض شكلاً له.
قبل هذه المسرحية، أطلقت هذه الروائية والممثلة المسرحية من جيل التسعينيات، مبادرة على فايسبوك بعنوان «المشروع المصري لمسرح المقهورين»، بهدف مد جسور مع كل العاملين في مسرح المقهورين، بغية نشره على أوسع نطاق في مصر. تزامنت تلك المبادرة مع مشروع بدأت أمين تنفيذه أخيراً بدعم من «آفاق» (الصندوق العربي للثقافة والفنون)، ويشمل إقامة مجموعة ورش وعروض لمسرح المنتدى في أربع محافظات مصرية. ويطمح المشروع إلى طرح المواقف الصراعية في المجتمع المصري اليوم، وكيفية إدارة حوار بين الأطراف المتصارعة ينطوي على حلول إبداعية وفهم وتسامح ينعكس بدوره على الواقع المباشر لاحقاً.
اللافت أنّ صاحبة «المسرح فن المطالبة بالحق» الذي رصدت فيه تجارب المسرح الحر في مصر، لا تحبّ أن تربط عروضها الجديدة بما تشهده مصر من تحولات، لأنّها آمنت باكراً بأنّ منهج مسرح المقهورين هو الأنسب للمجتمع الذي يريد أن يواجه قضاياه بطريقة مباشرة وعاجلة، وأن يشرك المواطن العادي في وضع تصوّر للتعامل مع إشكالاته السياسية والاجتماعية، بل صراعاته الداخلية. من هنا، كان العمل وفق تقنية مسرح المنتدى، التي تتيح أولاً وضع مواقف صراعية حقيقية ومعيشة على خشبة المسرح أو أي ساحة عامة، كما تتيح للمتفرج الصعود ليحل مكان إحدى الشخصيات المقهورة في المشهد المعروض، محاولاًَ إيجاد طريقة لكسر دائرة القهر ثم تغيير نهاية المشهد. هكذا نصبح إزاء تدريب على التعامل مع القهر والصراع غير المتكافئ، وهو تدريب على التفكير قد يمتد خارج الأمسية، وينعكس على الحياة العادية للمتفرجين.
لكن الهدف من المشروع في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ مصر كما تقول «مواجهة صراعاتنا وكل أشكال القهر التي نتعرض لها. المسرح هنا يتحول إلى ساحة للتدريب الفكري والسياسي لا أداة للترفيه فقط». المشروع ـــــ كما تعرّفه ـــــ يطمح إلى تكوين فريق من نشطاء مسرح المقهورين يتحركون في مدن عدة، ويدرّبون الآخرين، ويعملون ضمن شبكة كاملة في مختلف محافظات مصر على مدار ثلاث سنوات على الأقل. من ناحية أخرى، تنظر نورا أمين الى خطتها للعمل بهذا المنهج كتدريب على الديموقراطية. رغم مسؤولية النشطاء عن توعية المتفرج وإرشاده إلى قواعد المشاركة، إلا أنّ أحداً لا يمكنه توجيه المتفرج في كيفية الخروج من موقف القهر، فهذه مهمة المتفرج وحده كما تعتقد. كذلك، يستطيع فريق العمل أن يكون من الممثلين أو من الاختصاصيين الاجتماعيين أو المدرّسين أو أي مهنة أخرى، طالما أنّ الشخص يمتلك إحساساً بالهمّ الجمعي والمسؤولية الاجتماعية.
في بيانها الترويجي لمشروعها، دعت أمين الى التعلم من تجربة المنظّر البرازيلي أوغستو بوال، رائد مسرح المقهوين، الذي «تدرّبتُ معه مباشرة في المركز الخاص به في ريو دي جانيرو. وهو المنظّر الذي تعذب كثيراً فى المعتقلات البرازيلية خلال الحكم الدكتاتوري، وجرى نفيه. إلا أنه عند عودته، نجح في تكوين شبكة قومية لمسرح المنتدى أسهمت في بناء الوعي الديموقراطي لأمة بكاملها، وكسر حاجز الخوف من الآخر ومن السلطة وكان معه جيش من النشطاء»، علماً أنّ مسرح المقهورين يحاول في تكوينه الخاص تأسيس علاقة شراكة بين الجمهور والعرض ضمن شكل من أشكال الاندماج من أجل دفع العمل المسرحي نحو الحل الاجتماعي الذي يطرحه مسرح المقهورين، ألا وهو تغيير الواقع، لا التماهي معه كما ينشد المسرح الكلاسيكي.
قبل عرضها الجديد، انخرطت نورا أمين في ورش عدة لمسرح المنتدى. وكانت كل عروضها المسرحية كمخرجة وممثلة تميل إلى النقد والتشجيع على التمرد والتغيير. على مدار 17 عاماً من العمل في المسرح المستقل، تشدّد اليوم على أنها انتظرت طويلاً «اللحظة التي يمكنني فيها أن أبادر بمشروع ينتشر في كل قطر بلا قيود على التعامل الحر مع الجمهور والعرض خارج المبنى المسرحي. انتظرت طويلاً اللحظة التي يشعر فيها المواطن بأن مصيره بيده وهو وحده القادر على كسر دائرة القهر، وها قد أتت هذه اللحظة».

«عرضين ضد بعض»: 8:00 مساءً ـــ «مسرح مدارس بورسعيد الدولية» (8 و9 ت1/ أكتوبر) ـــ درب ١٨١٧، القاهرة القديمة (11) ـــ ساحة روابط للفنون الأدائية»، القاهرة (25 و26 أكتوبر)