الرباط | صمت السياسيون في المغرب والجزائر عن المناداة بفتح الحدود بين البلدين، فقرر شاعران تولّي المهمّة. الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار، والجزائري بوزيد حرز الله، بادرا إلى إطلاق بيان، يطالبان فيه بفتح الحدود بين البلدين الجارين. بيان موجز وواضح، ولا يدخل في أي تفاصيل. لكن صفة الإيجاز فيه لا تنفي طابعه الحاد، وقدرته التعبيرية عن آمال شعبي البلدين، وهي آمال لطالما اختطفها محترفو السياسة، واغتالوها بصمتهم وتجاهلهم.يقول البيان: «نحن أدباء ومثقفي الوطن العربي مغرباً ومشرقاً، نستنكر استمرار إغلاق الحدود بين البلدين الشقيقين: المغرب والجزائر. ونخاطب الذين دبّروا في الليل هذا الاعتداء السافر على الجغرافيا، ونسجوا تلك المكيدة الطويلة محاولين تمزيق أواصر الأخوّة والتاريخ المشترك، ونقول لهم: دعوا نهر المحبة والحياة يتدفّق حراً عميقاً في جسد هذين البلدين. لا يحقّ لكم، ولأي جهة أن تغلق الحدود على شعبين هما في الأصل شعب واحد».
لكن كيف جاءت قصة هذا البيان وما الذي يترتب عنه؟ «حين كنت في العاصمة الجزائرية مع مجموعة من الشعراء، فكرنا في صيغ كثيرة للتعبير عن رفضنا لاستمرار غلق الحدود»، يقول عبد الرحيم الخصار لـ «الأخبار». «وهذا البيان ليس فكرة جديدة؛ ففي معرض الدار البيضاء الأخير للكتاب، طالب طه عدنان وبوزيد حرز الله شعراً، بفتح الحدود». لكنّ دردشة طويلة بين الشاعرين على فايسبوك، دفعتهما إلى المبادرة، وصياغة البيان، ونشره في البداية على موقع التواصل الاجتماعي الشهير. وسرعان ما انهالت عليه التعليقات المنوّهة بالبيان، من مثقفين كثر، أعلنوا تبنّيهم لخطابه، وأسفهم على غياب الوحدة بين البلدين الجارين. بيان الشاعرين انفتح على مبدعين الآخرين، وإعلاميين، وجامعيين، يرفضون استمرار إقفال الحدود. القاصّ المغربي عبد العزيز الراشدي كتب على صفحة البيان في فايسبوك، ما يلخّص حال مئات آلاف المغاربة والجزائريين ممن لهم علاقات عائلية متشابكة مع الضفة الأخرى. «لستُ شاعراً، لكنّني مع المبادرة لأسباب موضوعية يعرفها الناس، ولأسباب عاطفية تخصُّ مدينتي الصغيرة زاكورة. فنحن نكاد نكون جزءاً من الجزائر، وتكاد الجزائر تكون جزءاً منّا، ولم أسمع في طفولتي غير الإذاعة الجزائرية وأغاني رابح درياسة والحاج العنقا، ولنا أقارب وخالات على الحدود الأخرى. عيد سعيد لكل إخواننا الجزائريين».
النسخة الأولى من البيان كانت أكثر حدة، لكنّ رئيس «بيت الشعر المغربي» نجيب خداري، اقترح تخفيف نبرة البيان قليلاً. وللمفارقة، لم يكن المثقفون المغاربة والجزائريون من وقّعوا البيان، بل أثار انتباه مثقفين عرب من مختلف المجالات. جل المثقفين العرب الذين وقّعوا البيان من لبنان والعراق. هكذا نجد توقيعات سماح إدريس رئيس تحرير مجلة «الآداب»، ومواطنته مديرة «دار النهضة» لينا كريدية، إضافةً إلى شعراء وصحافيين لبنانيين، كعناية جابر وفيديل سبيتي. من العراق نجد توقيعات شاكر لعيبي، ومواطنيه مدير تحرير مجلة «كيكا» الإلكترونية صموئيل شمعون، والشاعر صلاح حسن. من الأسماء الأخرى الموقّعة للبيان الشاعر الأردني أمجد ناصر، والشاعر الجزائري عبد الله الهامل، ومن المغرب عبد الكريم الطبال، ومبارك وساط.
وجدت المبادرة صدى كبيراً في وسائل الإعلام المغربيّة... أغلب الصحف الناطقة بالعربية والفرنسية، نشرت نص البيان، ونوهت بالمبادرة التي دعا إليها الشاعران. واتصلت العديد من الجرائد بالخصار للحصول على تصريح منه. لكنّ الجانب الجزائري لم يتحمّس كثيراً للفكرة، وجرى التعتيم عليها في الصحف، باستثناء تلك بعض الجرائد الناطقة بالفرنسية. لكن هل هناك مبادرات جديدة قد يقدم عليها الشعراء للاستمرار في التنبيه إلى عبثية إقفال الحدود بين البلدين؟ يقول الخصار: «لا يُعقل أن تكون هناك حدود برية بين بلدين لهما أشياء كثيرة مشتركة كالمكون العربي والأمازيغي، والأصول الموريسكية والأفريقية والصحراوية، فضلاً عن التشابه الكبير على مستوى العادات والموسيقى والفنون والملابس. المغاربة يحبون الطاهر وطار، والجزائريون يقرأون إدريس الشرايبي. الشباب المغاربة يحفظون أغاني الراي، والجزائريون يطربون كثيراً لعبد الوهاب الدكالي، ونعيمة سميح».



«تمرّد» على الحدود

«لا يزال في جعبة الشعراء مبادرات كثيرة للفت نظر الرأي العام إلى مخاطر التمادي في مصادرة ثقافتنا من طريق الحدود المصطنعة»، يقول عبد الرحيم الخصار. من هذه المبادرات دعوة أطلقتها مجموعة من الشعراء في الجزائر والمغرب، لإحياء أمسية شعرية على الحدود. وسيقف شعراء كل بلد على آخر نقطة مسموح بها، ليقرأوا قصائد بمكبرات الصوت لشعراء الطرف الآخر.