الجزائر | في ساحة رياض الفتح في قلب العاصمة الجزائرية، يعرض محفوظ عيدر لوحات تؤرّخ لـ«المنشار» أوّل جريدة متخصّصة في الفن التاسع كانت تصدر بالفرنسية خلال مرحلة دامية من تاريخ الجزائر المعاصر. المعرض يندرج ضمن «مهرجان الجزائر الدولي الرابع للقصة المصوّرة» (الكوميكس). ومحفوظ عيدر الذي كرّمه المهرجان هذا العام بوصفه «عميد الشرائط المصوّرة في الجزائر»، هو أحد مؤسّسي الجريدة نصف الشهرية التي كان صدورها ـــ قبل 11 عاماً ـــ الحدث في المشهد الإعلامي والسياسي في الجزائر.
والسبب كما يقول عيدر لـ«الأخبار» هو جرأة الصحيفة في الطرح وتناولها الساخر للأحداث، ونقدها اللاذع للمسؤولين والشخصيات السياسية. وُصفت تلك المرحلة (نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات) بالعصر الذهبي في الإعلام. يومها، انفتح التلفزيون الحكومي على الحساسيات السياسية، وشهدت الصحف المستقلّة هامشاً واسعاً من حريّة التعبير. بيد أن ذلك لم يستمرّ. حدث ما حدث، وأُوقف المسار الانتخابي الذي أدّى إلى وصول حزب «جبهة الإنقاذ» الإسلامي إلى السلطة، ودخلت البلاد دوّامة العنف المسلّح في ما يُشبه إجهاضاً لحلم بناء دولة ديموقراطية حديثة.
أمام تلك المتغيّرات، يقول محفوظ عيدر إنه لم يكن بوسعه سوى الاختيار بين واحد من الطرفين: السلطة أو الإرهاب، إذ لم يكن ممكناً الوقوف ضدّهما معاً. يضيف أنه اتّخذ موقفاً بالوقوف في صفّ «الدولة»، رغم اقتناعه بأنّ السلطة غير ديموقراطية. بيد أن الجريدة التي بلغ توزيعها في ذلك الوقت 200 ألف نسخة، بدت تائهة تماماً. رغم أنها أدانت العنف، إلا أن الموت المخيّم كان مادّة غير مناسبة إطلاقاً للضحك والسخرية.
لم يكن لهذا الخيار أن يمر بلا ثمن. في 4 تشرين الأوّل (أكتوبر) 1995، اغتيل الرسّام في «المنشار» إبراهيم قروي على يد مجموعة مسلّحة، فتوقّفت الجريدة. «لم أستطع حمل الريشة لأرسم مع رحيل صديقي ورفيق دربي طيلة 30 عاماً». بعد أشهر، عادت الجريدة إلى الصدور، قبل أن تتوقّف عام 1997 بسبب «ظروفها المادية». من خلف نظاراته السميكة، ينظر عيدر بعين غير راضية لواقع الكوميكس في الجزائر اليوم: «ليس ثمّة جريدة متخصّصة في هذا المجال. ثمّة مجلّة وحيدة هي «البندير»، لكنها غير متخصّصة. كما أنّ الدور لا تبدي أيّ اهتمام بهذا الفن. الناشرون ينظرون إلى الكتاب المصوّر بازدراء، ويرونه مجرّد خربشات لا تصلح حتّى للأطفال».