لم يكن أحد يتوقع أن يثير عرض فيلم التحريك «برسيبوليس persepolis» (2007) للمخرجين الفرنسي فنسان بارونو والإيرانية مرجان ساترابي المأخوذ عن كتاب شرائط مصوّرة للفنانة نفسها، أزمة في تونس التي كانت حتى عهد قريب تعدّ البلد العربي الأكثر عصرنة وعلمانية، وقد انطلقت منه شرارة «الربيع العربي».
مساء الجمعة الماضي، وبعد عرض الشريط، انطلقت حملة على شبكات التواصل الاجتماعي تعتبره تطاولاً على المعتقدات الدينية، بحجّة أنه جسّد الذات الإلهية في أحد مشاهده، علماً بأنّ الفنانة الإيرانية روت في العمل طفولتها ومراهقتها في إيران تحت حكم الثورة الاسلامية، قبل أن تغادر بلد الملالي إلى فرنسا.
ويقول المدير العام للقناة نبيل قروي، إنّه صباح الأحد الماضي تهجّم على مقر القناة قرابة 300 متشدد، «من بينهم نساء منقّبات ورجال يرتدون القمصان الإسلامية، مسلّحين بالعصيّ والسكاكين. وجاء ذلك بعد إطلاق نداءات على الإنترنت تطالب بإحراق مقر القناة وقتل عدد من صحافييها المتهمين بالكفر». ويضيف قروي: «لقد اعتدنا هذا النوع من الهجمات والتهديدات على الإنترنت. لكن الأمر هذه المرة كان أكثر خطورة، إذ تعدّى مسألة القول إلى الفعل. لكن السلطات الأمنية كانت متيقّظة، وتدخلت في الوقت المناسب لتفريق هؤلاء المتشددين، قبل أن يتمكنوا من اقتحام القناة».
ويقول المتحدّث باسم وزارة الداخلية التونسية، هشام المؤدب، إنّ «قوات الأمن تابعت حملة التهديدات التي انطلقت على الإنترنت، والدعاوى المطالبة بإحراق مقر القناة. وبالتالي استطاعت أجهزة الشرطة أن تستشعر مسبقاً جدية تلك التهديدات، فتحركت في الوقت المناسب للتدخل قبل فوات الأوان وبغية تفريق هؤلاء المتشددين واعتقال من كان مسلّحاً منهم».
وفي بادرة غير مسبوقة تنمّ عن انسياق التيارات الدينية «المعتدلة» وراء هذه الدعاوى المتشددة بدافع المزايدة على السلفيين، عشية الاستحقاق الانتخابي المرتقب في 23 تشرين الأول (أوكتوبر) الحالي، تجمّع نحو 100 «إسلامي معتدل» على نحو «سلمي» أمام مقر «نسمة تي في» بعد دقائق قليلة من تدخل الشرطة لتفريق المتشددين السلفيين.
ورغم أنّ هؤلاء «المعتدلين» لم يكونوا مسلحين، إلا أن تجمعهم أمام مقر القناة، وسط صيحات «الله أكبر، لا للمساس بالمقدسات الدينية»، عدّ تأييداً غير مباشر للهجمة السلفية التي حملت شعارات مثل «تسقط قناة الكفر، نريد الثأر للإسلام»، ما يبيّن أنّ «المعتدلين» حاولوا مواصلة مسعى السلفيين، لكن بأسلوب أقل عنفاً. وبخلاف الاعتداءات السلفية السابقة التي كانت تقابل بالصمت من الطبقة السياسية التونسية، خرجت معظم الأحزاب عن صمتها، لإدانة هذا الهجوم على قناة «نسمة تي في»، وقبله الاعتداء الذي نفّذه على جامعة سوسة متشددون سلفيون ينتمون إلى «حزب التحرير» المحظور في تونس.