ما الذي يحدث في تونس؟ بعد تهجّم إسلاميين متشددين على جامعة سوسة السبت الماضي، واعتدائهم على عميدها منصف عبد الجليل بسبب رفض إدارة الجامعة قبول امتحان طالبة ترتدي النقاب الشامل لتعذر التأكد من هويتها، تعرّضت قناة «نسمة» يوم الأحد لهجوم من 300 متشدد سلفي بسبب بثها رائعة مرجان ساترابي Persepolis (راجع المقال أدناه).
بات واضحاً اليوم أن موطن الشابي يشهد ردة ظلامية تزداد وطأتها يوماً بعد يوم؛ إذ بدأت التيارات الإسلامية المتشددة تكشّر علناً عن أنيابها، مع اقتراب استحقاق انتخابي هو الأول منذ انهيار النظام الديكتاتوري؛ إذ ستجري بعد أسبوعين انتخابات تعيين المجلس التأسيسي الذي سيتولى سنّ دستور جديد للبلاد.
عندما تعرض عدد من المثقفين، أمثال السينمائي النوري بوزيد والشاعر الصغير أولاد أحمد لاعتداءات جسدية في الأشهر الأولى التالية لقيام الثورة، ساد الانطباع حتى لدى أقرانهم من المثقفين بأن الأمر خطة مبيتة من بقايا النظام المخلوع بهدف إخافة التونسيين من «البعبع» الأصولي. لكن توالي الاعتداءات وتزايد حدتها لم يعودا يتركان مجالاً للشك في أنّها صادرة بالفعل عن تيارات دينية متطرفة، وخصوصاً بعد الهجوم الذي تعرضت له قاعة «أفريكارت» منذ أشهر، في محاولة لمنع عرض فيلم ناديا الفاني «لا الله ولا سيدي» (عدّلت عنوانه ليصبح «علمانية، إن شاء الله» ـــــ راجع «الأخبار»، 4 تموز/ يوليو 2011). لكن الأمر لم يتوقف هنا. استمرت الهجمات بنحو غير مباشر عبر ممارسة ضغوط وتهديدات على مالك البناية التي تقع فيها «أفريكارت» لدفعه إلى سحب امتياز تأجير القاعة التي تحتضن هذا الفضاء الثقافي الذي يديره الحبيب بلهادي، وقد اشتهر على مدى 20 سنة ببرمجة راقية تتيح للجمهور التونسي اكتشاف أعمال مغايرة للسينما التجارية المهيمنة.
ولم يلبث الفضاء الافتراضي الذي احتضن مخاض الثورة التونسية، وأسهم في إنجاحها، أن تحول إلى حلبة مكارثية لتخوين وتكفير المثقفين الذين يعبّرون عن أفكار أو وجهات نظر لا تروق الإسلاميين. بدأ ذلك بالتهجم على النوري بوزيد حالما أعلن أنه يعتزم إنجاز فيلم عن ظاهرة إعادة ترميم غشاء البكارة التي راجت أخيراً في تونس في ظل عودة التيارات الإسلامية إلى الواجهة. ثم برزت حملة تكفيرية طالبت عبر شبكات التواصل الاجتماعي بإهدار دم المخرجة ناديا الفاني بتهمة التطاول على المقدسات الدينية. وبعدما سعت التيارات الإسلامية «المعتدلة» المقرّبة من حزب «النهضة» الإسلامي إلى طمأنة الرأي العام التونسي، خلال الأشهر الأولى من الثورة، عبر إدانة الهجمات السلفية، والدعوة إلى نبذ العنف، بدأت مواقف هذه التيارات تتجه تدريجاً نحو التشدد، ولا سيما مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي خشية أن تسحب التيارات السلفية المتطرفة البساط من تحت أرجل الإسلاميين المعتدلين، كما حدث في الجزائر مطلع التسعينيات.
هكذا بدأ قادة «النهضة» تبرير الهجمات التي تستهدف المثقفين والانتقاص من خطورتها، تارةً عبر الزعم بأنها حيل من صنيعة بقايا النظام المخلوع، وطوراً من خلال قلب جدلية الضحية والجلاد، ومناشدة المثقفين «تفادي إشعال نار الفتنة»! وطالب هؤلاء بالتنبّه إلى أنّ «كل ما يمس المعتقدات الدينية يعد موضوعاً بالغ الحساسية، ويثير ردود فعل طبيعية من التونسيين».
وقد كرّر القيادي في «النهضة» سمير ديلو هذا الخطاب بعد الهجوم الأخير على قناة «نسمة» قائلاً: «لا يمكننا إلا إدانة هذا النوع من أعمال العنف. لكننا نريد التوضيح أنها مجرد تصرفات فردية ومعزولة، ويمكن تفاديها إذا أدرك الجميع أن المواضيع التي تمس المعتقدات الدينية هي مواضيع متفجرة في المجتمع التونسي».
وفي رد فعل غاضب، قالت المخرجة ناديا الفاني، تعليقاً على الهجوم السلفي الأخير على جامعة سوسة ومحطة «نسمة»: «يجب ألا نترك الإسلاميين أو السلفيين يحلّون محل ديكتاتورية بن علي». وألقت المخرجة التونسية باللوم أيضاً على الأحزاب العلمانية والمثقفين وتنظيمات المجتمع المدني بسبب صمتها حيال الهجمات الأصولية المتكررة، قائلة: «إن الملتحين سيحققون أهدافهم إذا بقينا في موقع المتفرج، واستمررنا في الخوف من المواجهة. إنّ كثيرين منا يلتزمون الصمت خشية إيقاظ الوحش الأصولي من سباته. لهؤلاء أقول إن هذا الوحش قد استيقظ، وأصبح حاضراً بيننا اليوم. فما العمل؟».



احترام المقدسات

دعت وزارة الشؤون الدينية التونسية في بيان أصدرته، وسائل الإعلام «إلى ضرورة احترام العقائد والمقدسات الدينية، ووجوب التزام مبادئ السلم الاجتماعية». وطالبت بـ«نبذ العنف بمختلف أشكاله، التزاماً بأخلاقيات ديننا الإسلامي».