الماضي لا يمضي في أعمال تمارا السامرائي (1977). لا تزال الرسامة الكويتية المقيمة في بيروت تقلِّب ماضيها الشخصي المخلَّد في ألبومات العائلة، وتحوِّله إلى جزء أساسي من حساسية تجربتها التشكيلية. لقد سبق أن فعلت ذلك في معرضها الفردي الأول «أوزان خفيفة» (أجيال ـــ 2008)، وقبلها في تجهيز «علبة بلعبة» (محترف الزاوية ــ 2005)، إضافة إلى ممارسات مماثلة في معارض ومهرجانات جماعية في لبنان وفي الخارج. الماضي هو شذرات من طفولة مستعادة لا لتكون فردوساً مفقوداً، بل لتتحول إلى مادة فوتوغرافية معاصرة تُطرح عليها أسئلة ذاتية وفنية شائكة.في معرضها الحالي «غيبة» في «غاليري أجيال» تواظب الرسامة الشابة على المزج بين اللوحة والصورة. يتضمن المعرض 15 لوحة محكومة بأصل فوتوغرافي. البياض الشاحب والسخي الحاضر في الأعمال كلّها يمنح المعرض شحنات إضافية من معاني الغياب والفقدان. كأن البياض هو كفنٌ مقترح لذكريات ومذاقات قديمة يجري استحضارها وتقاسمها مع المتلقي. تطبع الرسامة صوراً لأبويها وخالتها، وأخرى لمطارات وأسفار، ثم تشتغل عليها بالأبيض والقليل من الأسود والرمادي. تمحو أطرافاً من الصورة أو تبرز حركة الأشخاص في كادراتها. محو الأطراف يتصل ببياض المساحات الباقية من اللوحة، لكن الصور تظل طارئة ومحتفظة باختلافها المادي عن اللون. ما يصلنا هو التأليف النهائي الذي تبدو فيه الأعمال المعروضة أقرب إلى فن اللوحة العادية.
لا تزال التقنيات والممارسات المبذولة فيها ظاهرة طبعاً، لكن الجزء الأكبر منها ذائب في الحصيلة النهائية. بطريقة ما، تصلنا ترجمات لتروما نفسية خفيفة متأتية من إقامات هشة وموقتة، أو من هوية شخصية موزعة بين أصل عراقي وكويتي لناحية الأب وأصل لبناني لناحية الأم، أو من انكسارات يومية ومخاوف فردية. اللعب بالصور القديمة لا يُبطل تأثيرها. نقلها إلى اللوحات يمنحها خلوداً إضافياً. الطبقات السيكولوجية لا تستأثر بفكرة المعرض كلها. تقول السامرائي إن الموضوع والتقنية اشتغلا معاً، وإنها تعمدت أن تكون الصور الفوتوغرافية ذات طابع شخصي. بالنسبة إليها، معظم تجارب الرسم اليوم محكومة بأفكار وفلسفات شخصية، وهو ما يجعل فكرة اللوحة الصافية أمراً صعباً.
براعة السامرائي تتبدى أكثر في اللوحات الكبيرة، كما هي الحال في لوحة «أم وابن» و«سُلَّم» و«شرشف» و«1983». الأخيرة تبدو خلاصة تشكيلية للمعرض كله. صورة تتمشى فيها الرسامة وهي طفلة مع أبويها على كورنيش بحري، بينما المسافة الصغيرة التي تفصل بينها وبينهما تسمح لطائر ضخم بالاقتراب على أمل انتزاعها من المشهد. في اللوحات الأخرى، ثمة مديحٌ متكرر للخالة في لقطات منزلية، ومشاهد من طفولة شخصية ممزوجة مع مناخات قصص الأطفال. في كل اللوحات، الصور مستثمرة لأداء أدوار جديدة. الصورة هي المرجعية المفضلة بالنسبة إلى السامرائي التي تقرّ بأن جزءاً كبيراً من شغفها بهذا النوع من الرسم يعود إلى عملها منذ ثماني سنوات في محترفها مع الرسامة نجاح طاهر، على مشاريع قائمة على خلط الصور واللوحات القديمة مع الرسم. ممارسة أشبه باللعب المجاني والشخصي، لكنها تتحول إلى فن عام.
مناخات كهذه تصنع صلات لتجربة تمارا السامرائي مع أقران ومجايلين باتوا يحتلون الصفوف الأمامية في المختبر التشكيلي اللبناني الراهن. المزج بين الصورة والرسم لا يختصر طموحات الرسامة الشابة. إلى جانب نجاح طاهر، تشير إلى تجارب ذات حضور بارز مثل: عبد الله كحيل وفؤاد خوري ومروان رشماوي وروي سماحة. هكذا، وداخل طموحات متقاربة ومشتركة مع هؤلاء، يمكننا أن نجد تأويلاً صائباً لمذاقات التجريد والغرافيتي والفيديو آرت التي تنبعث من أعمال يُفترض أن جاذبيتها قائمة على قوتها التشخيصية.

«غيبة»: حتى 15 ت1 (أكتوبر) الحالي ـــ «غاليري أجيال» (بيروت). للاستعلام: 01/345213