الحيّ الألماني الذي يمتد في حيفا من أسفل حدائق البهائيين إلى أطراف الميناء، هو من أكثر الأماكن ازدحاماً في المدينة العربيّة المحتلّة، بسبب انتشار المقاهي والمطاعم فيه... وفي الآونة الأخيرة، ازداد احتشاد الناس في المكان، بعدما تحوّل إلى مركز للتظاهرات الاحتجاجية، خصوصاً «دوار البهائية». كتب البلوغر الفلسطيني «واحد افتراضي» على مدوّنته أخيراً: «كنت أفكر في دوّار البهائية، في حميمية المكان. هذا الميدان ميداننا، قلت لنفسي. عليه رفعنا علم مصر يوم انتصرنا في مصر (...) وسرنا نحو أحياء حيفا العربية لنهتف: نموت وتحيا فلسطين، يوم مجزرة الفلوتيلا». وحول هذا الدوّار بدأت مجموعة من الشباب الفلسطيني في الداخل المحتلّ إضراباً عن الطعام واعتصاماً مفتوحاً، دعماً وتضامناً مع الحركة الأسيرة في السجون الإسرائيلية التي بدأت إضرابها عن الطعام منذ 27 أيلول (سبتمبر) الماضي.
تضمّ حركة «جائعون للحريّة» شباباً من مختلف الأطياف والفئات السياسية، وتهدف إلى «إعلان الدعم الكامل لمطالب الحركة الأسيرة، وأولها الحريّة». وهي تتطلّع إلى «رفع الوعي وتجنيد الدعم الجماهيري والمؤسساتي لنضال الأسرى ومعاناتهم، وتهيئة أرضية صادقة لانطلاق الاحتجاج الشعبي العنيد والمُلحّ ضد الاحتلال وجنوده».
منذ اليوم الأول لاعتصام حركة «جائعون للحريّة»، اهتمت المجموعة المنسّقة بإقامة برنامج مسائي يومي، تخللته تظاهرات في الشارع، إضافة إلى برنامج فنّي، كان المسرح والموسيقى من أعمدته الأساسية. منذ السبت الماضي، توالت الأمسيات الفنية الداعمة لـ«معركة الأمعاء الخاوية» مع فقرة للفنان ولاء سبيت، تلتها في الأيام اللاحقة ندوة مع المحامية عبير بكر بعنوان «تجريم الناشطات والناشطين الفلسطينيين في الداخل»، وفقرة فنّية مع الفنانين المسرحيين نضال بدارنة، وسيم خير وحسن طه. كذلك أقيمت حفلة لموسيقى الراب الفلسطيني مع فرقة «ولاد الحارة» و«دمار» من الناصرة، وفرقة «دام». وشارك الفنان الجولاني مضاء المغربي بفقرة موسيقية وغنائية... وقدّم الموسيقي والمغنّي علاء عزام أمسية مساء أمس.
«الفنّ ليس فقط أن أرى لوحة جميلة وأسمع موسيقى تعجبني، الفنّ هو أيضاً أداة سياسية لإيصال رسالة»، تقول لنا خاسكية لـ«الأخبار». الناشطة السياسية المضربة عن الطعام منذ السبت الماضي تؤكِّد أنّ «كلّ الفنانين شاركوا مجاناً، وهناك من بادر شخصياً إلى الاتصال بنا». المشكلة وفق خاسكية «أنّنا لا نعرف قصص الأسرى، بل نعرفهم كأرقام. لهذا، فالأغنية أو الفقرة المسرحية يمكن أن تروي قصّة كلّ أسير بطريقة مختلفة عمّا ترويه تقارير المنظمات الحكومية أو البيانات الإعلامية».
تتميز هذه الحركة بوجودها الشبابي، وقد امتدت من حيفا إلى مدن أخرى في فلسطين، مثل الناصرة والقدس وأم الفحم. هناك بادرت مجموعات شبابية بدورها إلى إعلان الإضراب والاعتصام المفتوح. وقد استخدمت حركة «جائعون للحريّة» منذ انطلاقتها البيانات السياسية التقليدية للإعلان عن أنشطتها، لكنّها لم توفر النيوميديا أيضاً، كفايسبوك وتويتر ويوتيوب. فقد جرى تصميم ملصقات نُشرت يومياً على المواقع، إضافةً إلى مقاطع فيديو للإعلان عن الفعاليات. لهذا، حازت الحركة صدىً إعلامياً وشعبياً كبيراً، خصوصاً في الإعلام الإلكتروني غير الرسمي، مثل المدوّنات، وموقع «الانتفاضة الإلكترونية»... كلّ ذلك خلق نوعاً من التواصل بين المعتصمين في حيفا والمعتصمين في فرنسا والمعتصمين في مخيم اليرموك في سوريا مثلاً.
وقد أعلن الناشطون أنّ اعتصام حركة «جائعون للحريّة» مفتوح ومستمر بالتوازي مع معركة «الأمعاء الخاوية» للأسرى والأسيرات في السجون الإسرائيلية، بانتظار تحقيق كامل مطالب الأسرى... وستتواصل أيضاً حكايات الأسرى المرويّة بأصوات الفنانين مساء كلّ يوم قرب دوّار البهائية.