الخطاب الإعلامي يتغيّر تبعاً لـ«المجال» الذي يقف فيه الصحافي. للتأكد من ذلك، كان يكفي بالأمس أن نرصد تعاطي الكاميرا مع تحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. الحدث في الاعلام الغربي، عموماً، اقتصر على إطلاق سراح جندي احتياط في الجيش الإسرائيلي. هذا الجندي يملك اسماً ووجهاً وحكاية وعائلة وأهلاً وشعباً (بل شعبين). إنّه رمز الخير والحق والحضارة، في مواجهة الشر والباطل والهمجيّة.
هكذا انقسمت الشاشة إلى مشهدين: من جهة لقطة مقرّبة على الشاب النحيل رمز الديموقراطيات التي تحتفل بإحقاق العدالة، ومن الأخرى لقطة عامة ضبابيّة، على كتلة سوداء مقلقة، بلا اسم ولا حكاية ولا قضيّة، تهدد الديموقراطيّة والعدالة. حتّى ليخيّل للمشاهد البريء أنّ هذا الشاب كان في نزهة ريفيّة، حين اختطفته عصابة الأشرار، وأبعدته عن عائلته «خمس سنوات وأربعة أشهر»، لا جنديّاً جاء من فرنسا إلى الكيان السبارطي، كي يخدم في جيش احتلال يرتكب المجازر منذ 63 عاماً، من دون أي عقاب. الجندي الذي «أعاده نتنياهو إلى البيت» لأنّ «إسرائيل تقدّر الحياة والإنسان»، صار على الشاشة الشجرة التي تخفي أمّة كاملة. من يقنع المشاهد العربي بأنّه ليس في مواجهة حرب «صليبية» يشنّها «العالم الحرّ» عبر الإعلام؟