وصل جوليان بارنز (65 عاماً) إلى قائمة «بوكر» القصيرة، ثلاث مرات. في المرة الأولى، عام 1984، ارتبط اسم الروائي البريطاني باسم غوستاف فلوبير. يومها رُشح لنيل أعرق الجوائز الأدبية في دول الكومنويلث وإيرلندا عن روايته «ببغاء فلوبير»، وفيها يحكي قصة طبيب بريطاني، يزور فرنسا، بحثاً عن نتف من سيرة صاحب «مدام بوفاري». نقاد كثر يرون في جمل بارنز المكثّفة، وحرفيّته في بناء الشخصيات، إرثاً «فلوبيرياً» واضحاً. حين رُشّح في المرة الثانية، عام 1998، كان قد أنجز في «إنكلترا، إنكلترا»، أحد أكثر النصوص ظرفاً في الرواية البريطانية المعاصرة.
بسخريته «البريتيش» اللاذعة، تناول تيمات الهوية، والانتماء، والأساطير الوطنية، من خلال قصّة رجل، يريد أن يجمع كلّ الإرث السياحي للمملكة، في حديقة واحدة. وفي المرة الثالثة، عام 2005، استعادت روايته «آرثر وجورج» بقالب معاصر، دفاع آرثر كونان دويل ــ مؤلّف سلسلة شيرلوك هولمز الشهيرة ـــ عن المحامي جورج إيدالجي ذي الأصل الهندي الذي اتُّهم ظلماً بتعذيب الحيوانات.
في كلّ عقد من العقود الثلاثة الماضية إذاً، كان لبارنز موعد ناقص مع «بوكر»، لكنّ موعده هذا العام، كان مثمراً. حاز الجائزة عن روايته الرقم 11 «إحساس بنهاية» (جوناثان غايب ـــ راندوم هاوس). 150 صفحة تتقصّى إشكاليات الذاكرة، كانت كافية ليتقدّم الروائي البريطاني على منافسيه، وينال شيكاً بـ 50 ألف جنيه استرليني (80 ألف دولار).
الروائي الذي نال سابقاً جائزتي «مديسيس»، و«فيمينا» في فرنسا، يحكي في «إحساس بنهاية» قصة طوني ويبستر. بطله هذا ستيني بريطاني، مُطلّق، ويعيش تقاعده بهدوء، لكنّ رسالة من الماضي، تقلب كيانه، وتذكّره بأدريان فين، زميله اللامع في الثانوية الذي أنهى حياته انتحاراً. يركّز بارنز على ذكريات بطله المبهمة، في محاولة منه لفهم علاقة كلّ واحد منا بماضيه، وقدرة ذلك الماضي على تحديد مصيرنا، ولو اخترنا رميه بعيداً. بلغة مكثّفة تتخللها لمحات سخرية ذكية ولاذعة، يعود بارنز إلى تيمته الأثيرة، أي الثنائية الرهيبة بين الأحداث كما حصلت في الواقع، والأحداث كما أوّلَها من عايشوها. في الخلاصة، نحن أمام «كتاب يحكي البشرية في القرن الحادي والعشرين»، كما وصفته لجنة التحكيم، أثناء حفلة تسليم الجائزة في لندن أول من أمس.
يبدو فوز جوليان بارنز، نهاية سعيدة لفصل «بوكر» هذا العام، وخصوصاً بعد الانتقادات اللاذعة التي واجهتها اللجنة بسبب تاريخ رئيستها ستيلا ريمينغتون، المديرة السابقة لـ «الاستخبارات الداخلية البريطانية» MI5. كذلك عبّر نقاد رصينون عن استيائهم من الطابع التجاري الطاغي على المسابقة. رواية بارنز مثلاً ارتفعت مبيعاتها على نحو غير مسبوق في الشهر الماضي، إلى درجة إصدار ناشرها الأميركي إياها الأسبوع الماضي، أي قبل أربعة أشهر من الموعد المقرر.