التقرير خاص. هكذا عرّف مقدّم نشرة أخبار mtv ماجد بو هدير الريبورتاج الذي شهدناه الأحد على شاشة المحطة التي باتت متخصّصة في «فضح» تجاوزات «الغرباء». في الآونة الأخيرة، ذاع صيت الفضائية اللبنانية في ترداد هذا المصطلح: «الغرباء». لكن هذه المرة، تخطى هؤلاء جميع الخطوط الحمر وفق راكيل مبارك. في تقريرها «برج حمود... أحياء في خطر»، أخذتنا المراسلة «الميدانية» إلى طريق «الدورة ــ برج حمود». لقد ذهبت بنفسها إلى هناك، ولمست «بالفعل» الخطر المحدق بالأهالي الأبرياء، وشعرت بالخطر والحذر «الشديد» خلال تجوالها في المنطقة.
الجولة كانت واضحة الهدف منذ البداية: «يخيّل لك أنّك لست في لبنان». ينطلق التقرير فاضحاً «الكارثة». هنا بين الدورة وبرج حمود، يبدو الأمر «كأنك في السودان، أو دولة تجمع الأكراد، أو إحدى دول آسيا» يأتينا صوت المراسلة فيما الكاميرا «تمسح» وجوه المنطقة. ورغم الوقع العنصري الفاقع للجملتين في البداية، فإنّ الجملة الأخيرة تبدو مضحكة. عملياً، لبنان دولة في آسيا وليس من ضمن دول الاتحاد الأوروبي، ولا يحاذي أميركا. ينبغي للمراسلة، وتالياً المحرر، التصالح مع هذه الحقيقة «المُرّة» ولو «على مضض». قد نخالهما وقعا في خطأ جغرافي. لكن سرعان ما تتضح المسألة، فالقصة لا علاقة لها بالجغرافيا، إذ إنّ الذين «يقومون بالشذوذ والنشل (في المنطقة) هم مجموعات من شباب غير لبنانيين» يأتون «للتعرّف إلى الآسيويات». يتابع التقرير بلا أي مراعاة لهذا التحريض على فئة كبيرة من العاملات اللواتي تموت منهن واحدة كل أسبوع «منتحرةً» أو «مشنوقةً» أو هاويةً من على شرفة.
تدور الكاميرا في الشارع الفقير، بحثاً عن عمّالٍ وعاملات. لبناني من سكان المنطقة يتهمهن بتحويل المكان إلى «سوق للعاهرات»، وآخر يلوّح بيده مستهتراً عند وصفهن: «تلك الحبشيات». أما العاملات اللواتي فاجأتهن الكاميرا من الخلف، فلا يعرفن المغزى من العدسة التي تصطادهن، فيخجلن، أو يتابعن المرور. لكنّ الشابة اللبنانية الشقراء التي تقف المراسلة عند رأيها في هذا «الاجتياح الغريب للمنطقة»، تعرف جيداً فحوى التقرير... تقول: «الشاب يلّي ما بيتوفق بفيليبينية، بيوقف هون». طبعاً، لا يعدّ هذا الرأي «غيرة» أنثوية، إذ إنّ المتحدثة شقراء، والأهم أنّها ليست «غريبة»!
نقاط ضعف تشوب التقرير لعل أبرزها غياب آراء المختصين من قوى أمنية وغيرها. هنا، تقول معدّته لـ«الأخبار» إنّ التقرير أعدّ «يومي السبت والأحد، مما صعّب التواصل مع القوى الأمنية» واعدةً بمتابعة الملفّ معها. وحتى موعد تلك المتابعة، فإن تواقيع مخاتير المنطقة التي استند إليها التقرير، تذكّر بحادثة «الغريب والجرة» في مسرحية زياد الرحباني «شي فاشل»، وتشي بحلٍ فولكلوري أكثر مما تثبت وجود «أزمة أمنية» في المنطقة تهرع الكاميرا بحثاً عنها في وجوه «غير اللبنانيين». لكنّ راكيل مبارك تجزم بأنّها «اقتطعت كثيراً من حديث سكّان المنطقة كي لا يبدو تقريرها ضد عرق أو دولة».
الشق الإيجابي الوحيد في التقرير أنه فاضح. بعد مشاهدته بعين المحايد، تصبح قراءة الأسباب الكامنة وراء تعرّض العمال الأجانب، وتحديداً العاملات، لاعتداءات وتحرشات، أمراً مفهوماً، خصوصاً مع انتقال «الفوقية» اللبنانية التي جاهر بها المعترضون على وجود «الغرباء» في المنطقة من كونها «نظريات» وأحاديث هي خلاصة ترسبات ثقافية، إلى ما يشبه تحريضاً اعلامياً، معززاً بالصوت والصورة. المونتاج غير البريء، جاء ليستغل ضحكات العاملات، وخجلهن من الكاميرا، ليدس فوق صورهن كلاماً يُحقرهن كإناثٍ، مستغلاً مرورهن قرب ما يُراد له أن يكون «غيتو». يبقى السؤال المحيّر: هل هذا الربط من مصادفات المونتاج؟ أم أن المحطة وقعت في فخ الإسقاط العنصري، بسبب نظرتها الفوقية والسطحية إلى العاملات والعمال الذين وضعهم القدر على طريق الكاميرا؟