الرباط | في خضم الثورات العربية، تحوّل «نبع النساء» من فيلم عادي إلى حدث سينمائي.
شاءت المصادفة أنّ يجري إسقاط روح الحراك الشعبي الواسع على شريط السينمائي الروماني الفرنسي لرادو ميهيلانو، الذي مثّل المغرب في «كان» الأخير. صاحب «الحفلة الموسيقية» (2009)، الفيلم الذي شاهده أكثر من 3 ملايين متفرّج، يصوّر نساءً قررن الإضراب عن الجنس للحصول على حقوقهنّ! هكذا، تتقاطع في فيلم ميهيلانو ثورة الشعوب العربية، مع ثورة قرويات أجهدتهنّ قسوة العمل اليومي، في وقت يمضي فيه أزواجهن وقتهم في المقاهي، وإذا باقتراح عفوي لإحداهنّ، يتحول إلى عصيان جنسي.
حين تعلن نساء القرية إضرابهنّ المفتوح، يأخذ الرجال كلامهنّ على محمل الهزل، مشيرين إلى أنّ حرارة الجو أفقدتهنّ صوابهنّ... تماماً كما فعل أعضاء نادي الدكتاتوريين العرب ممن أخذوا عصيان شعوبهم بخفّة. لكنّ اعتصام النساء المفتوح يتحول إلى حقيقة، تقلب النظام الاجتماعي للقبيلة رأساً على عقب، وتهدّدُ سلطة الأزواج وامتيازاتهم بأكملها، وتدفعهم إلى التفاوض مع النساء. يدخل على الخطّ فقيه القرية، في حوار ثيولوجي مع المرأة الغاضبة، ويناقش معها الإضراب عن ممارسة الجنس، وموقع المرأة في الإسلام، لكنّه لا يمارس عليها سلطة دينية، بل يجادلها بالحسنى.
طاقم الممثلين في الفيلم من جنسيات وأصول مختلفة، منها المغربية، والجزائرية، والتونسية، والفلسطينية. تدور القصة في مكان غير محدد، لكنّها صوّرت في إحدى القرى المغربيّة، التي تبعد 50 كيلومتراً عن مراكش، فجاءت أجواء العمل مطبوعةً بطبيعة المغرب العربي. وقد عزّز ذلك منح أدوار البطولة لممثلين مغاربين: في البطولة الجزائرية ليلى بختي، والتونسية حفصية حرزي، والجزائريّة بيونة (باية بوزار)، كما يشارك في العمل الممثلان الفلسطينيان هيام عباس، وصالح بكري، والمغربي محمد مجد.
الفيلم محمّل بصور نمطيّة عن المرأة العربية والمسلمة، ابتداءً من شكل الحياة البدوية كما يصوّرها، إلى التركيز على سلطة الرجل المطلقة، لكنّه سرعان ما يأخذ شكل ملحمة صغيرة، تحكي قصص المقهورات في العالم، لكنّ الضرب على «الوتر الحساس»، جعل جزءاً من المحافظين المغاربة ينتقدون الفيلم بشراسة، كما أنّ مسألة تمثيل الشريط للمغرب في «مهرجان كان» الأخير، أثار موجة انتقادات واسعة، على اعتبار أنّ إنتاجه فرنسي، وأنّ مخرجه من أصول يهودية أقام فترة في فلسطين المحتلّة، كذلك تعرّض لانتقادات الصحافة المغربية بعد عرضه في افتتاح «مهرجان سلا لسينما المرأة»، إذ كتبت جريدة «التجديد» الناطقة باسم «حركة التوحيد والإصلاح الإسلامية» أنه «يصور مضامين سلبية. تضرب على نغمة اضطهاد المرأة المسلمة، ومضامينه تفتقر إلى الموضوعية».
الممثلون المغاربة في الشريط من جهتهم، أكّدوا في أكثر من مناسبة على جوّ من الانسجام والنقاش، ساد العمل مع ميهيلانو. هذ الأخير زار المغرب قبل تصوير الفيلم، وراقب الحياة القرويّة، استشار متخصصين كثيرين قبل بدء التصوير. هكذا، وقد استفاد فيلمه من الواقع المغربي المتناقض الذي تمتزج في مناطقه المهمّشة مظاهر الحداثة التخلف، على نحو مثير. القرويون يتنقلون على الحمير، لكنّهم يملكون هواتف خلوية في الوقت نفسه. وقد استغلّ «نبع النساء» هذه المسألة ليخلق جواً من الخفة والكوميديا.
تبقى المصادفة الأبرز تزامن إنتاج «نبع النساء» مع الانتفاضات العربيّة، ما جعله يأخذ بعداً سياسياً وتاريخياً، كأنّه يحكي باسم المستضعفين الثائرين على جلاديهم. رغم نجاح الفيلم تجارياً، تبقى قصته سرقة أدبية معلنة. يبدو أن ميهيلانو اقتبس أكثر من اللازم من فيلم «أبسردستان» (بلاد العبث ـــ 2008) لفيت هيلمر. يحكي الشريط القصّة نفسها، لكنّها تدور في آسيا الوسطى. وقد تجاهل السينمائي الروماني الحديث عن فيلم هيلمر في كلّ لقاءاته الصحافية، ناسباً فكرة «نبع النساء» إلى نفسه بالكامل... قبل أن يفتضح أمر السرقة.

«نبع النساء»: 8:30 من مساء اليوم ـــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (بيروت). للاستعلام: 01/204080