يغفل الناشر العربي في خطط نشره السنويّة، دواوين الشعر، حتى المترجم منها، سواء كانت جيدةً أم رديئة... في المقابل، نقع كلّ يوم على كتب شعرية جديدة تملأ المكتبات، تحمل تواقيع أسماء لم نسمع بها قبلاً. الناشر نفسه لا يتورّع عن إصدار ديوان شعري، مهما كانت قيمته، إذا دفع صاحبه مقابلاً مادياً جيّداً. في الأسابيع القليلة الماضية، صدرت دواوين كثيرة، اخترنا عشوائياً أربعة منها، ثلاثة صدرت عن «دار النهضة العربية»، وواحد عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر».
الكتاب الأول «لحن عسكري لأغنية عاطفية» يحمل توقيع عبد السلام المساوي. يكتب الأخير في قصيدته الأولى «تعويذات لفتح الباب الكبير»: «وسمعت أصوات اللحى تتهجى الأسماء الحسنى/ في انحناء الشيوخ العجائز على غزل الصوف/ جلابيب للرياح/ لليل الصلاة/ لشمس الحصاد/ لبحر السفر/ للعيد العنيد». نسأل الخبير الذي ارتأى نشر هذه القصيدة أن يرشدنا إلى المعنى الذي يريده صاحب الكتاب. من حقّنا كقرّاء أن نعرف لماذا يراد تحطيم ذائقتنا الشعرية بهذا الكلام الفاسد؟
في «يدثرني الغامض فيك»، تكتب إكرام عبدي قصيدة بعنوان «ذاك الشاعر»، تقول فيها: «ذاك الشاعر/ حين يعشقني/ يتوجني فينوس، يعيدني إلى طفولة الماء/ يغرف ماء الخطيئة من بحري/ كي يبلل صحراء النأي/ يكنس ليلي من أنقاض الصمت/ ويقود قطعان براءتي إلى مراتع الجنون/ وبخيط شفيف يسحبني إلى مركز الكون/ يحوم حولي يتدفأ بشمسي». تجهد كاتبة هذا المقطع في أن تكون إيروتيكية، لكنّها لا تفرّق بين طفولة الماء التي تحيل على الطهر أو البراءة وماء الخطيئة المعروف...
من جهتها، تفتتح ريم نجمي ديوانها «كأنّ قلبي يوم أحد» بقصيدة «ليلة شتاء»: «سأجيء إليك بلا ضوء حافية القدمين/ في الليل أدركك/ لك رائحة الشتاء إن شممتها أمطر». لا تنجح الكاتبة في إيصال المعنى الإيروتيكي المرجوّ، لقصور في المخيّلة وفقر في اللغة، واعتباطية تبلغ حد الرطانة.
أما في ديوانه «بانتظار الغيوم»، فيكتب عبد الهادي صالح قصيدة بعنوان «تماس»: «أصابع كفّيك دافئة/ فوق هذا الكتاب/ وعيناك جاحظتان/ وصمتك أبيض». ماذا تعني «أصابع كفيك دافئة فوق هذا الكتاب»؟ يبدو أنّ الكتاب مهم، لأنّه منح الأصابع دفئاً... لكن عندما نقرأ «وعيناك جاحظتان وصمتك أبيض»، سنصاب بالدهشة لهذا التناقض العجيب. العيون الجاحظة تنم عن ألم أو شيء قريب منه، والصمت الأبيض يعني الموت. فأين الرابط بين الجملة الأولى والجملة الثانية؟ نضع كلّ هذا برسم القراء المعنيين أولاً وأخيراً بتقويم هذا النتاج... لكننا نسأل أمام هذه الركاكة: لماذا يستبعد المبدعون ـــ شباباً أو مكرّسين ـــ عن المشهد؟
6 تعليق
التعليقات
-
لا علاقة لك بالشعرلا علاقة لك بالشعر أيها الباحث عن المعنى الحرفي للجمل والصور، ثم كيف تجتزئ فقرات من سياقها الفني والدلالي لتقيم حجتك على رداءة الشعر.. لو رجعت إلى النصوص الكاملة لمن جعلتهم كباش الفداء للشعر الحديث أو على الأقل لو اطلع عليها القراء لكان حكمك مرتكزا على استراتيجية مقبولة في المقاربة، وأنى لك أن تعرف شيئا له علاقة بالمقاربة.. الأسماء التي ذكرت في معظمها لشعراء مغاربة ومنهم عبد السلام المساوي المعروف بدواوينه الحائزة على جوائز عربية كما أن دراساته النقدية المنشورة في المشرق يعرفها الباحثون ويرجعون إليها في أطاريحهم.. أما الشاعرة إكرام عبدي فمعروفة بنصوصها الشعرية الرقيقة وبكتاباتها في الصحف والمجلات المغربية والعربية.. أما ريم نجمي فهي شاعرة شابة تتوقد ذكاء وإبداعا..
-
هيك زعلتني منّك يا صلاح!!قرأت ديوان ( هذيان في حمّى من الحبّ) للشّاعرة أمل طنانة؟ كان لازم تقراه قبل ماتحكم.. تقول في إحدى قصائدها: خيالي سَحيقُ الرّؤى موغلٌ يوشّحُ سرّي ولايكشفُ عجيبٌ، ملأتُ بهِ أبحراً وقد كنتُ من قطرةٍ أرشفُ هو الشّعرُ جسرُ السّماءِ إلى بحورٍ بمحرابِها تعكفُ ترتّلُ من وجدِها زورقاً وتجثو على دمعِها تجذِفُ !! ................. شو رأيك؟ إذا ماقرأت فالحقّ على الجريدة لأنّي أرسلت دعوة لحضور توقيع الدّيوان، ولم يأتِ أحد!!!! على كلّ حال: صار إلك بذمتي نسخة هديّة من الكتاب.. ألف تحيّة..
-
ولكن...يا سيدي قد أتفق معك في ما نحوت إليه، لكن في مقالتك شيئا من التعالي واللارحمة إزاء مبتدئين في مجال صار هو عنوان الفوضى. هل لك أن تعيد قراءة واحد\ة من الشعراء الحداثيين الحديثين لتخبرني عن المعاني؟ عن الروابط بلا جمل؟ عن المبتدأ المثقل بعشرين خبرا خلفه؟ عن الجمل التي تضيع بلا تمام معناها؟ أليس الشعر الحديث فوضى كارثية غير خلاقة بالطبع؟ من يقرر الشعر من النثر بلا ضوابط شكلية؟ انت؟ انا؟ ماذا عن الشاعر الحديث الذي قسوت عليه هنا؟ ألا حق له؟ من يكرس الشاعر شاعرا؟ والتاقد ناقدا؟ واليفصل الشعر عن اللاشعر؟ حبّذا لو يكمل هؤلاء الكتاب جملهم ويوفرون ورقا يضيع بين سواد الكلمات القليلات على بياض الصفحات الضائعة؟ ماذا لو رفعنا قداسا وجنازا لراحة الشعر وانتهينا؟
-
صلاح يا صديقيأنت وحدك منصلاح يا صديقي أنت وحدك من يكتب الشعر العظيم أو أنت وحدك الشاعر في هذا الكون ألم تكن أروع الشعراء منذ لحظة ولادتك دون أخطاء أو عثرات البدايات كما يحصل مع جميع الذين يكتبون على وجه الأرض.. أرهقت نفسك وأضعت وقتك بالفعل في الكتابة عن شعراء لم تسمع بهم خصوصا وأنك رئيس شئون الشعراء في العالم ويجب تسجيل كل شاعر لديك واختباره قبل أن ينشر أو يفكر في الكتابة العلنية.. ثم أنك لست ملزما في الكتابة عن شعر لا تفهم فيه.. ليتك لم تفعل يا صديقي.. ليتك لم تفعل
-
قد تكون محِقا في سؤالك "لماذاقد تكون محِقا في سؤالك "لماذا يستبعد المبدعون ـ شباباً أو مكرّسين ـ عن المشهد؟" لكن مقالك يا سيدي أكثر فقرا من هذه القصائد المذكورة. ماذا يعني مثلا "الصمت الأبيض يعني الموت" اهذا نقد للشعر ام حديث نبوي يكاد يضاف إليه رواه الشيخان، ام تفسير أحلام؟ قد يموت الشعر بموت النقد قبل كل شيء أخر...
-
شكرًابالفعل أشكرك على ما كتبت، لأنّي أعاني أشد المعاناة اليوم كي أشتري كتاباً لائقاً للقراءة..