من هي الممثلة التي ستفوز بدور مي زيادة (1886ــــ1941، اسمها الحقيقي ماري إلياس زيادة)؟ هل بات عرض عمل درامي يروي حياة الأديبة اللبنانيّة أكيداً في رمضان 2012؟ وهل سيعاد التفاوض مع سلاف فواخرجي أو جمانة مراد اللتين كانتا مرشحتين للعمل قبل سنوات؟ الكلام على إنجاز نصوص دراميّة تروي سيرة صاحبة «كتاب المساواة»، ليس جديداً، بل لا يكاد يغيب عن جدول الإنتاجات في القاهرة. حتى إن نجمات المحروسة يتنافسن على الفوز بالدور بسبب تنوّعه وغناه، وبينهن ليلى علوي، وإلهام شاهين، وميرفت أمين، واللبنانيّة نور. وإذا كانت الأديبة الراحلة قد تمنّت أن يأتي بعد موتها من ينصفها ويستخرج من كتاباتها «ما فيها من روح الإخلاص والصدق...»، فإن أكثر من سيناريست تطوّع لتحقيق أمنيتها. إلا أن كل النصوص لم تفلح في بلوغ مرحلة التنفيذ باستثناء ثلاثية من سلسلة «صدفة» للكاتب أنطوان غندور مع آمال عفيش، إلى جانب ظهورها المتخيّل في مسلسل «الملاك الثائر» للكاتب نهاد سيريس. فهل تكون ولادة مشروع مي زيادة هذه المرة لبنانيّة؟
لا تتوقف اجتماعات العمل بين الكاتب سمير مراد والمخرج يوسف الخوري في شركة «سيدر أوف أريبيا»، من أجل التخطيط لكيفيّة تنفيذ نص «الآنسة مي». كذلك لا تتوقف حركة الممثلات في المكان، فالتحضيرات تجري على قدم وساق، قبل أن يعطي المخرج الضوء الأخضر لبدء التصوير. وفي طبقة أخرى من المبنى، ينهمك المخرج المسرحي جلال خوري بلقاء نجمات ووجوه جديدة لاختيار بطلة العمل. وإذا كان مشروع «الآنسة مي» وضع على خريطة رمضان 2012، فإن النص ليس وليد اللحظة، بل أمضى الكاتب سمير مراد 11 سنة في كتابته، وسجّله في مصلحة حماية الملكيّة الفكريّة مطلع عام 2003. وقد اتفق على تنفيذه مع المخرج إيلي أضباشي. لكن لم يُكتب للعمل أن يشق طريقه إلى التنفيذ وقتها. بعد ذلك، قرّر مراد تطوير نصّه، فسافر إلى القاهرة ليجول على الأمكنة التي عاشت فيها الأديبة الراحلة، وللاطلاع على أعداد جريدة «المحروسة» التي تسلّم تحريرها الياس زيادة (والدها)، وكتبت فيها سلسلة مقالات قبل أن تتسلّم هي إدارة تحريرها إثر وفاة والدها، وتحوّلها إلى جريدة أسبوعيّة.
يوضح الكاتب سمير مراد أن النص بات ناضجاً، لافتاً إلى «حضور زيادة البارز في عصر النهضة، ويمكن قراءة الدراما في حياتها، قبل كتاباتها ونضالاتها وموقعها في الدفاع عن المرأة والتجديد وأهميتها كاتبةً بالفرنسية». ويتوقف عند نقطة مثّلت مفترق طريق في حياتها، «عند زجّها في مستشفى الأمراض العقلية». ويوضح أن «الأديبة لبنانيّة الجنسية، فلسطينية المولد (الناصرة)، وهي المدينة التي أثرت في حياتها لأنها مهد المسيح. كذلك فإنّها تجمع تناقضات رهيبة في شخصيتها. سطع نجمها في مصر، أديبة ومناضلة في زمن كان فيه الأدب والنضال حكراً على الرجال». ويسارع الكاتب إلى التأكيد أنه لا يتعامل في نصه الدرامي مع مي الأديبة، «بل مع شخصيّة من لحم ودم لأن الأدب له مكان آخر». ويلفت إلى أن «مأساة مي تتمثل في تناقضاتها، وسحرها الخفي الذي لا توصف معالمه».
لم يحتج الكاتب إلى الاجتهاد كثيراً؛ «لأن التشويق حاضر في حياتها، والسيناريو مشوّق ومغر للمشاهد العادي، لا المثقف فقط». ويضع على عاتق نصه مسؤوليّة «تنمية الحس النقدي عند المشاهد»، لافتاً إلى أن مواضع اجتهاده «تمثّل في تأويله الخاصّ للمواقف التي أخذتها وأسبابها». يوضح مراد أنها «استنجدت بحبّها الأوّل بعدما باتت وحيدة في مصر، فوجدت نفسها في مستشفى الأمراض العقلية». لكن ماذا عن الرسائل المتبادلة بينها وبين جبران خليل جبران، ثم الأشخاص الذين مرّوا في حياتها، ومنهم عباس محمود العقاد، وأحمد لطفي السيّد، وخليل مطران، وحافظ إبراهيم، وشبلي الشميل، وطه حسين، إلى جانب أقاربها الذين تلاعبوا بمشاعرها وحقدوا عليها؟ يؤكّد مراد أن كل هذه الشخصيّات موجودة في العمل الذي يوضح حقيقة تواصلها مع جبران. يصف المخرج يوسف الخوري عمله بأنه «تراجيديا بكل معنى الكلمة، وليس دراما. فقد انتقلت مي من الجيّد إلى المأساة». ويلفت إلى أنّ «الكاتب واكب الأحداث منذ طفولتها حتى وفاتها، ليثبت أن ثمة خطأً انعكس على حياتها». ويذهب الخوري في ثنائه على النص إلى حد القول إن «أبحاث مراد ستصحّح كل المغالطات المنشورة عنها، ويجدر بالمشاهد متابعة ما لم ينشره أحد عن مي». ويعترف الخوري بأن تعامله مع هذا النص مختلف عن سواه: «لم أمتلك الجرأة على إنهاء دور الكاتب بعد تسلّمي النص، لأن عليه اليوم ممارسة دور آخر».
يبدأ التصوير مطلع 2012 ويمتد ستة أشهر. ويبدو الخوري جازماً في عدم إسناد البطولة إلى الجميلات، «لدينا خياران: إما التعاقد مع نجمة سيضيف العمل إلى مسيرتها، أو مع وجه جديد سيحولها العمل إلى نجمة». ويؤكد حرصه على التعامل مع ممثلين من لبنان ومصر وفلسطين وتركيا بحسب جنسيات الشخصيّات. ويضيف: «وضع مراد بين أيدينا جوهرة، نراهن أن تعيدنا إلى حلبة الدراما العربيّة، وإلاّ فلنصمت ولا يجدر بنا الكلام عن حروب ضد الدراما اللبنانية».
يختم الخوري قائلاً إنه لا يرى مي امرأة جميلة «لكنها استطاعت بجاذبيتها أن تكون حلم الرجال». ولا شك في أنّ «الآنسة مي» يمثّل التحدّي الأهم في رحلة «سيدر أوف أريبيا»، فهل تنجح الشركة في تقديم إنتاج درامي بمواصفات عربيّة لائقة؟