عكّا | قررت أسماء عزايزة (1985) أن تمنح مجموعتها الشعرية الأولى عنوان «ليوا» (دار الأهلية/ عمّان)، الحاصلة على جائزة الكاتب الشاب في حقل الشعر ضمن مسابقة «الكاتب الشاب» (2010) لـ«مؤسسة عبد المحسن القطان» في رام الله المحتلة. و«لِيوا» هي العبارة التي يستخدمها صيادو عكّا، عند انتشال الشباك من الماء، فيقولون: «لِيوا شباك». «لِيوا» أيضاً هو اسم الباب الأول في مجموعة عزايزة... وهي بالنسبة إلى الشاعرة مرحلة انتقال السمك من الحياة إلى الموت، من المياه إلى البرّ. إنّها تعبير مجازي عن حالة السفر الجسدي والنفسي. تتحوّل الأسماك هنا إلى تعبير عن الذاكرة الفردية والجماعية للشعب الفلسطيني منذ نكبته، أو كما يقول المثل: «ذاكرته مثل السمكة».
تكتب عزايزة عن ارتباط السفر/ التهجير بالذاكرة: «الآن، لا بحر لتغني شباك الصيد عند السفر/ الآن، تموت الأسماك في الصُرر/ ولا تموت الذاكرة». تقدّم الشاعرة الشابة القصائد القصيرة، محمّلة بفلسفة مستوحاة من الأمثال الشعبية، إضافة إلى رومانسية غامضة. اللافت، أنّ ابنة قرية الدبورية (الجليل) تستخدم كلمات عبريّة في بعض قصائدها، كما في قصيدة «في وادي الصليب» (وهو اسم لحيّ في حيفا هُجر في النكبة)؛ ««أرتسي»/ «زو أرتسي»؛ أولادٌ يتدربون على نطقها/ وهم يفكون أخشاب الصليب ويلقونها/ نحو الغرب». في هذه القصيدة تنقل صورة عن بيت مهجور كُتب على إحدى جدرانه باللغة العبرية «زو أرتسي»، أي «هذه أرضي»، في حيّ «وادي الصليب»، وهو الشاهد الأكبر على ما حلّ بفلسطين منذ النكبة.
تحضر تيمة السفر بقوّة في قصائد عزايزة. تكتب قصيدة بعنوان «بايرويت»، على اسم مدينة ألمانية أمضت فيها شاعرتنا شهرين، إذ تأثرت بالمدينة، وبشخصية الموسيقي الشهير فاغنر الذي أقام فيها وترك بصمات واضحة على ذاكرتها. تأتي قصائدها مشحونة بصور من أسفارها، كما في «حُلم في برلين» أو في قصيدة «براغ»: «شممتُ رائحة أربعين عاماً تُحلّق فوق حاضرٍ/ تحوم/ يمشي على رؤوس أصابعه،/ شممت فودكا مشبَّعةً بالرصاص». أثر الأدب والموروث العالمي حاضر عموماً في الديوان، كما في قصيدة «دفتر شكسبير»: «أقتحمُ غرفته وأسرق طيف أبي هاملت/ أضع صوته الشبحيّ في جيبي».
تختتم عزايزة باكورتها بقصيدة «تركتُ العنوان في السمكة»، لتعود إلى محور كتابها الأساسي وهو الذاكرة الفردية والجماعية. ««تملكُ ذاكرة سمكة»؛/ هكذا جاء في شهادة الميلاد./ ربما جعلتُ ذاكرتي تنزلق، خطأً،/ نحو ماء النهر./ وربما كان ماء النهر بارداً كالرخام/ فجمّد الذاكرة غذاءً/ للسمكة الوحيدة./ نسيتْ السمكة أن في أحشائها/أنا/ ونسيتُ انزلاقي».