القاهرة | كأنّها «حرب مقدّسة» يقودها المجلس العسكري، على رسوم الغرافيتي المنتشرة في المدن المصريّة. أعمال تدعو إلى التظاهر، ورفع مطالب استكمال الثورة، والتضامن مع المطالب العمّالية، صارت «العدوّ اللدود» للمجلس. فبعد «25 يناير» تحوّل الغرافيتي من مجرّد وسيلة لتشجيع الأندية الرياضية، إلى وسيلة فعالة لتوعية المواطنين على حقوقهم. علي الحلبي، وأحمد سامح، عضوان في «حركة 6 إأريل»، اعتقلا في 19 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري بتهمة إتلاف ممتلكات عامة، والرسم على جدران منشآت عسكرية.
وأحيلا إلى النيابة العسكرية، قبل أن يطلق سراحهما بعد سبعة أيام من الحبس الاحتياطي، بكفالة مالية. قبلها بأربعة أشهر تقريباً، اعتقل المصمم وفنان الغرافيتي جنزير، وأطلق سراحه في اليوم نفسه، والتهمة «تعليق راية تضرّ بالأمن العام». «الحرب أصبحت مكشوفة الآن بين أجهزة المجلس العسكري الأمنية ونشطاء الغرافيتي»، يقول أحد المهتمّين بهذا الفنّ، هيثم صلاح. فقد صار رائجاً إلقاء القبض على شاب يوزع منشوراً في الشارع، أو أن يُعتقل آخر لأنّه يدعو المواطنين إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية. «الغرافيتي بالنسبة إلى شريحة كبيرة من المصريين نوع جديد من الفن»، يقول هيثم. «ونحن نستخدمه لإيصال أفكارنا بطريقه بسيطة، بعيداً عن المصطلحات السياسية التي يصعب فهمها من العامة».
أواخر 2010، ألقي القبض على ثلاثة نشطاء كتبوا على أحد الجدران عبارات تنديد بانتخابات مجلس الشعب. يومها، تم التحقيق معهم في النيابة العامة، بتهمة لصق وتوزيع منشورات، ثمّ أخلي سبيلهم لعدم وجود قضيّة قانونية مقدّمة من محرّر المحضر. تتذكر هذه الواقعة روضة أحمد، المحامية ونائبة المدير التنفيذي لـ«الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان»، كأنّها تحيل إلى استمرار التضييق على رسامي الغرافيتي، رغم سقوط النظام. «المجلس العسكري يعاني حالة ارتباك شديدة، وينتهج طرق نظام مبارك نفسها في التضييق على النشطاء، وحرمانهم من التعبير عن آرائهم، رغم السماح لآخرين بكتابة دعايتهم على الجدران».
وتضيف روضة أحمد، وهي وكيلة الدفاع عن علي الحلبي وأحمد سامح: «التعامل مع المدنيين في الشارع مسألة جديدة على القوّات المسلّحة، لهذا تستعين بخبرات ضبّاط من الداخليّة، ينتهجون النهج القديم ذاته في التعامل مع النشطاء».
تشرح فنانة الغرافيتي جيهان سعد، أنّ فنّ الرسم على الجدران بدأ في مصر مع عدد من مشجعي كرة القدم، ثم استخدم في رسم ضحايا النظام المخلوع، مثل خالد سعيد، وسيد بلال. وتلحظ جيهان أن وزارة الداخلية في حينه نظرت إلى «هذا الفن بوصفه جريمةً، لأنّه يحرّض على رجال الشرطة، ويدعو الناس إلى المشاركة في التظاهرات التي تندّد باستخدام العنف في أقسام الشرطة والسجون». وترى جيهان في الغرافيتي وسيلةً للتعبير عن رفض الظلم، لارتباطه الوثيق بالبسطاء والمقهورين. «بداية هذا الفن كانت في سبعينيات القرن الماضي، على أيدي الأميركيين من أصول أفريقية الذين كانوا يعانون الاضطهاد والتمييز العنصري في الولايات المتحدة. واستخدم هؤلاء الرسم على الجدران والقطارات القديمة، للتعبير عن معاناتهم».
إنّه الظلم إذاً... لكن أين القانون من كل هذا؟ «لدينا كوارث في التشريعات المصرية»، تجيبنا روضه أحمد. وتضيف «التشريعات تحتوي على مواد شائعة وفضفاضة، وجهاز الشرطة يرى أنه هو القانون بحدّ ذاته، إذ يحرّر محضراً ضدّ النشطاء، ويكيل فيه تهماً عديدة، لعلمه بأنّ مصر ليست دولة قانون، وأنّ المحضر ضد النشطاء سوف يعبر بالمحسوبية وليس بتطبيق القانون». رفاق علي الحلبي نظّموا أكثر من وقفة احتجاجية اعتراضاً على توقيفه... وكانوا يرددون في كلّ وقفة هتافهم الأشهر: «سيبوا الورد يفتّح سيبوا... علي الحلبي منّا ومش هنسيبوا».