ليبيا | رغم أنّ الشاعر الليبي خالد المطاوع (1964) يعيش في أميركا، ويحمل جنسيتها، إلا أن أستاذ مادة الإبداع في «جامعة ميتشيغان»، لم ينقطع يوماً عن متابعة الشأن الليبي. لا تمضي شهور حتى تراه في ليبيا، ملتقياً الوجوه الأدبية والسياسية. وفي هذا السياق كان صاحب «خسوف الإسماعيلية» حاضراً في خضم الثورة الليبية، متابعاً لها لحظةً بلحظةً، وداعماً تدخّل الناتو؛ لأنّه «ليس هناك خيار آخر عند مواجهة مجرم». والآن وقد سقط المجرم بطريقة إجراميّة، ماذا عن المستقبل؟ لم يتوقف خالد عن نشر مقالاته بالإنكليزية في الصحف الأميركية والبريطانية، محلّلاً الوضع ومنتقداً السلبيات التي كان يراها، سواء من كتائب القذافي أو من جهة الثوار. يوم إعلان تحرير ليبيا، التقيناه ليلاً فتوقّف طويلاً عند مقتل معمّر القذافي. «طوال الثورة، كان لدى الثوّار مشكلة في التعامل مع الأسرى، وقد قتلوا الكثير بدلاً من التعامل معهم حسب القوانين الدولية والأخلاق العربيّة». ويعزو صاحب «موريسكو» هذا التعامل القاسي مع القذافي إلى «أسباب تاريخية أفرزها الصراع في ليبيا منذ القدم، وتأججت أثناء حقبة القذافي. كلّنا يعلم أن الصراعات المحلية الليبية القديمة التي كانت بين أناس يعيشون في أفقر بقاع الأرض، كانت صراعات شرسة على مصادر شحيحة أدت إلى عقلية قتالية مميتة ومستميتة. هذا ما أعرفه من تاريخنا القديم. أما العامل الآخر، فمصدره ليبيا الحديثة وليبيا القذافي التي لم تكن فيها محاكم عادلة، ولا جهاز قانوني يستند إليه كمرجع اجتماعي وأخلاقي وثقافي وسياسي».
وعن إمكان تفهّم الغرب ومنظماته الحقوقية لدوافع ما قام به الثوار من أفعال لاقت الكثير من الاستهجان، يجيب مطاوع: «بالنسبة إلى الغرب، لا يستطيعون عملياً أن يلقّنونا درساً في الأخلاق. لقد قتل الطليان موسوليني وعلّقوه من رجليه، ولم يُبحث عن قاتله. وفي ربيع الدول الشيوعية، لم يصروا على اكتشاف قتلة تشاوشيسكو في رومانيا. وهم وجدوا بن لادن حياً وقتلوه من دون أن يقاوم هو شخصياً. كحكومات، ليس لديهم ما يستندون إليه لتبرير أي تعالٍ علينا. أما العاملون والناشطون في حقوق الإنسان، فمن حيث المبدأ لا يستطيعون قبول موت القذافي بهذا الشكل، ولا بد من أن يصرّوا على أنّ أي عقاب خارج إطار القانون هو جريمة، وأوافقهم في ذلك».
لكن لو أنّ القذافي لم يقتل، فكيف ستكون محاكمته؟ وهل يمكن الشعب أن يحتمل إجراءات المحاكم التي قد تميّع القضية؟ يجيب: «أرى أن الشعب الليبي لم يكن ليتحمّل محاكمة القذافي. أولاً، لأنّ محاكمة الديكتاتوريين أمثاله غير مجدية مثل محاكمة ميلوسوفيتش وصدام وغيرهما... بقاء القذافي على قيد الحياة كان سيربك البلاد ويترك المجال لعودة أزلامه بمساندة الأنظمة المحيطة بليبيا».
إذاً، كيف يمكننا نحن المثقفين رأب الصدع وتفعيل المصالحة الوطنية ونشر ثقافة التسامح والسلام؟ يجيب: «لا بد من إجراء مصارحة وطنية بدءاً من الشخصيات الأساسية في النظام والجرم الذي ارتكبته. نريد من الحكومة تحديداً أن تكون بمثابة مؤسسة قانونية ضخمة للتحري في حقبة القذافي. أرى أنّها مسؤولية كبيرة. المصارحة أساس التسامح، ويجب أن نكون حرصاء على جمع الحقائق ووقف انتشار ثقافة الانتقام إلى الأبد». وعن مستقبل ليبيا وصعود التيار الإسلامي، يعلّق قائلاً: «أحس بأن سقف التعبير بدأ ينخفض، والخطاب الإسلامي يخيّم على التفكير. أنا قلق جداً. جماعات منغلقة من ناحية، وفوضى وصراع على السلطة داخل الثورة، وفقدان لتصور مدني ديموقراطي لفترة ما بعد القذافي». لكن الإسلاميين شاركوا في صنع الثورة. يجيب: «من الطبيعي أن يشارك الإسلاميون في الحكم، لكن شرط أن يقبلوا مشاركة الآخرين. الساحة العامة في ليبيا الآن أبعد ما يكون عن المفهوم المدني للكلمة، فيما المرأة وضعت في زريبة ملوّنة بعلم الاستقلال. كي تنجح الثورة، لا بد لها من أن من تحضر على كل الجبهات».