الجزائر | في روايته الجديدة «المعادلة الأفريقية»، يسافر الروائي الجزائري ياسمينة خضرا (1955) إلى أغوار أفريقيا. على إيقاع جحيم المجاعة التي يشهدها القرن الأفريقي، يتناول صاحب «فضل الليل على النهار» ظاهرة هجمات القراصنة الصوماليين التي تصاعدت في السنوات الأخيرة.بعد ثلاثيته الشهيرة «سنونوات كابول» (2002) و«صفارات بغداد» (2006)، و«الاعتداء» (2005)، ينتقل محمد مولسهول (اسمه الحقيقي) من الراهن المتأزم في الشرق الأوسط إلى ما تشهده القارة السمراء من حروب أهلية ومجاعة ودكتاتورية وإبادة جماعية، في نصّ روائي محمّل بأسلوب التراجيديا الإغريقية. لقد نقل معاناة الإنسان الأفريقي إلى شعوب الشمال، تساعده على ذلك لغته الفرنسية، وكونه أحد أكثر الأدباء مقروئيةً في أوروبا.
انطلاقاً من عادته في مواكبة المستجدات، وخصوصاً السياسية منها، ضمن نصوصه الروائية، يكون خضرا قد ظفر بالسبق الأدبي من خلال تناول ظاهرة القرصنة في السواحل الأفريقية في روايته «المعادلة الأفريقية»، الصادرة أخيراً عن «دار جوليار» الفرنسية. علماً أنّ الأخيرة نشرت الجزء الأول من أعماله الكاملة في ألف صفحة تشمل بعض رواياته الأكثر مبيعاً في العالم، مثل «سنونوات كابول»، التي بيع منها 300 ألف نسخة، فيما بيعت 500 ألف نسخة من روايته «الاعتداء»، و240 ألف نسخة من «صفارات بغداد».
تدور أحداث «المعادلة الأفريقية» حول معاناة طبيب ألماني يدعى كيرت كروسمان. بعد مروره بمأساة انتحار زوجته، يقرّر تلبية دعوة صديقه هانس ماكنروث، الذي يعمل في المجال الإنساني، للقيام برحلة سياحية إلى جزر القمر، لكن على مقربة من السواحل الصومالية، تسقط السفينة في قبضة القراصنة الجدد، لتبدأ معاناة الاثنين بعد اقتيادهما إلى معسكر يواجهان فيه كل مظاهر العنف والوحشية والعوز والجوع.
لعل اختيار خضرا أن يكون بطل روايته أوروبياً يأتي من رغبة ملحّة في نقل حقيقة ما يجري في الضفة الجنوبية للعالم الغربي، ومأساة الإنسان الأفريقي. ولإظهار الوجه الآخر لأفريقيا، الذي يتسم بالحكمة والفن والخيال والشجاعة، يضيف الكاتب إلى أحداث الرواية، قصة حب تنشأ بين الطبيب كيرت وناشطة في مجال حماية الطفولة تعمل في دارفور في السودان. على مدى 330 صفحة، يعتمد الروائي الجزائري أسلوباً فلسفياً مناشداً المشاعر الإنسانية، ومحاولاً تمرير رسائل لمساءلة الضمير العالمي حول ما يجري خارج الحياة الأوروبية، الأكثر رخاءً واستقراراً مقارنة بالكثير من المناطق الغارقة في الفقر والحرب. طوال 150 صفحة تقريباً، يسترسل خضرا في وصف محاولات البطل وصديقه الفرار من سجنهما، مستخدماً أسلوباً يقترب من «التراجيديا الإغريقية»، إذ يحس القارئ أنّ ذلك سيكون مستحيلاً. هكذا يُظهر الروائي الصراع المرير بين الحياة والموت، وخصوصاً أنّه صرّح في أحد الحوارات «لقد كتبتُ روايتي مستلهماً من الحرب الطويلة التي خاضتها أختي مع مرض السرطان. بعدما كنّا نتوقّع أن تموت بعد ثلاثة أشهر، قاومت المرض لمدة ١٨ شهراً، فتشبتها الرهيب بالحياة يجعلنا نتساءل: كيف يقدم إنسان على وضع حدّ لحياته لمجرّد كونه واجه أزمة في العمل؟».
مثلت مواضيع الدكتاتورية، والصراع على السلطة، وتفشي الحروب الأهلية، والمجاعة التي تعصف بالصومال، وما غذّته من تطرّف ديني عند الشباب، مادةً دسمة للروائي. فقد تناول تداخل تلك الأحداث وتصاعدها. وكي ينجز عمله، زار العديد من تلك الدول مثل مالي، والنيجر، وموريتانيا، وسجل يوميات الأفارقة، واستطاع جمع الكثير من المعلومات التي لا يمتلكها أحد غيره. يقول في أحد اللقاءات: «أملي أن أدخل حياة الآخرين من خلال الكتابة. التواصل معهم يمنحني الحب والإلهام. عندما أكتب، أتوجه إلى الناس كي يتمسكوا بالحياة. لقد تعلمت الكثير من الأفارقة، كمقاومتهم من أجل العيش، والمقدرة على ابتكار الفرح». ويرى الكاتب أنّ ما ينقص أفريقيا هو الحلم، بسبب هجرة مثقفيها وفنانيها، بعد معاناتهم من العنف والدكتاتورية السائدة في بلدانهم.
في «المعادلة الأفريقية»، يظهر واضحاً تركيز خضرا على الحديث عن الأفعال وتبرير سلوكيات شخصياته. فقد برّر ذلك في أحد حواراته الصحافية قائلاً: «حاولت أن أتحدث عن القرصان كإنسان يمتلك أحاسيس وأحلاماً ومعاناة. حاولت أن أبحث عن أجوبة تجعل القارئ يعرف لماذا اختار هذه المهنة». وتابع: «يجب أن نفهم الحقبة الزمنية التي نعيش فيها. والحدود التي تقفل علينا، تقسمنا إلى دول فتحدّ من سقف تفكيرنا والهدف السامي لوجودنا، لكن الكتابة وحدها تحررنا من قيودنا وتجعلنا نسافر من دون تأشيرات إلى تلك المناطق. ما فائدة أن نكون فرنسيين من دون أن نفهم ما معنى الإنسان الأفريقي؟». ورأى أنّ أفريقيا هي المرآة التي تظهر لنا الصورة المشوّهة لأنفسنا، لأننا بعيدون عن حقيقتنا حسب رأيه.