يحار المرء كيف يتعامل مع الدعوى التي رفعها جهاد المرّ ضدّ شخصيّات ومؤسسات لبنانيّة وعربيّة وعالميّة، في إطار ما بات يُعرف بـ «قضيّة بلاسيبو» (راجع ص 15). النقاش حولها له فضائل تربويّة أكيدة على مستوى الحياة الديموقراطيّة، فيما هي مخالفة لمنطق الديموقراطيّة الذي يضمن حريّة التعبير، ويحترم الحقّ في الاختلاف. نكتب ذلك، متجاهلين أيّة خلفيّات تتجاوز السعي إلى تعويض الأرباح الضائعة التي يدّعيها المرّ، وقد انتظر سنة كاملة قبل اللجوء إلى القضاء.
تعود الحكاية إلى صيف ٢٠١٠، حين دعت شركته «تويو توسي»، فريق الروك البريطاني إلى إحياء حفلة في بيروت، على طريق عودته من فلسطين التاريخيّة المحتلّة. لم تصغِ فرقة «بلاسيبو» إلى الأصوات العربيّة والعالميّة التي طالبتها بالعدول عن زيارة الكيان الغاصب، أيّاماً قليلة بعد مجزرة أسطول الحريّة التي عزلته عالميّاً. وكان أن دعت جمعيّات في لبنان إلى مقاطعة حفلة الـ «فوروم دو بيروت»، حيث نظّمت وقفة احتجاجيّة مساء العرض. كيف تحوّل هذا التحرّك الهادئ عملاً تخريبيّاً؟ هل التعبير عن الرأي جنحة يحاسب عليها القانون؟ محامو جهاد المرّ يخترعون شكلاً جديداً من الرقابة. كيف بالأحرى والتحرّك لم يكن مرتبطاً بمسألة هامشيّة، بل بقضيّة مركزيّة تعني اللبنانيين والعرب، ألا وهي وضع حدّ للعدوان الإسرائيلي الدائم بكل الوسائل، المباشرة وغير المباشرة؟ يقدّر جهاد المرّ خسائره من الحفلة المجهضة بـ ١٨٠ ألف دولار. من الصعب طبعاً أن نضع منطق البيزنس في مقابل منطق المقاومة، علماً أن النقاش حول دعوة الفرقة أخلاقي لا اقتصاديّ أو قانوني، لكن إذا كانت المبادرة المدنيّة التي أطلقتها «مجلّة الآداب» و«مركز حقوق اللاجئين ـــــ عائدون» و«حملة مقاطعة إسرائيل» وسواها، قد نجحت في إثناء جزء من الجمهور عن مشاهدة الحفلة، فذلك انتصار كبير للديموقراطيّة. علماً أن انفضاض المدينة عن «بلاسيبو» قد تكون له أسباب مختلفة لا علاقة لها بحملة المقاطعة، كما يعرف النقّاد وهواة الروك. في كلّ الأحوال، أما زال يحقّ للناس في لبنان، أن يعبّروا عن رأيهم على الساحة العامة، بوسائل حضاريّة وسلميّة وقانونيّة، من دون أن يتّهموا بالتخريب؟