«من لوس أنجليس إلى وهران»، هكذا يفتتح الشاب نصرو أغانيه. سنوات الغربة الطويلة في بلاد العم السام لم تمنعه من مواصلة تتبع مجربات الأحداث في وطنه الأم. ما زال يؤمن بأفضلية الراي في التعبير عن الوضع العام في الجزائر، ويصرّ على ضرورة تغيير الراهن لبعث الروح في جيل الشباب. وفي وقت لا يتوانى فيه مغنُّو الداخل ـــــ أمثال حكيم صالحي وفلة عبابسة ـــــ عن تجديد الولاء لوزيرة الثقافة خليدة تومي، ويسعون إلى التقرب منها والمشاركة في مهرجاناتها الصيفية؛ يبرز اسم الشاب نصرو وحيداً خارج هذه القائمة.
يخاطب مغنّي الراي الشهير الوزيرة قائلاً: «أفضل ما يمكنك فعله، هو تقديم استقالتك!». ويحمّلها مسؤولية الظروف القاسية التي وصل إليها المغني جيلالي عمارنة، عضو فرقة «راينا راي» الذي رحل السنة الماضية متأثراً بمرض عضال.
اسم الشاب نصرو هو مرادف أغنية الراي العاطفية. صاحب «مون أمور» يعدّ المغني الوحيد الذي استطاع مزاحمة الشاب حسني (1968ـــ 1994) على عرش ما يطلق عليه تسمية الـ Rai Love.
بعد أكثر من عقدين على انطلاقته الفنيّة، ما زال المغنّي يتمتع بقاعدة شعبية مهمة في الجزائر والمغرب، وخصوصاً في أوساط الجالية المقيمة في فرنسا. «أعرف أنّ الناس مشغولون بهموم حياتية كثيرة ومختلفة. لكنّني مقتنع بأنهم يعيشون تجارب حبّ في داخلهم». رغم ابتعاده الطويل عن إحياء الحفلات والمهرجانات، بقي اسم نصرو من أهم الأسماء المتداولة بين المستمعين خلال العقد الماضي، كما جرت قرصنة أشهر أغانيه على نطاق واسع، نظراً إلى تزايد الإقبال عليها. «أعتقد أنّ الجمهور صار يفرّق بين الراي الجيد والراي الرديء». فقد تعذّر إيجاد بديل لصوت يغنّي عن الحب والرومانسية في جزائر اكتوت طويلاً بنار العنف والقتل المجاني، كما أن بروز بعض التجارب الجديدة في النمط نفسه، ممثلة خصوصاً في هواري الدوفان والشابة سهام، لم يستطع إبعاد نصرو عن لقب «سلطان الأغنية العاطفية».
بدايات نصر الدين السويدي (اسمه الحقيقي) في عالم الراي لم تكن سهلة، فقد تزامنت مع بدايات بزوغ نجوم الجيل الأول، أمثال الشاب خالد، والشاب مامي، والشابة فضيلة، والشاب صحراوي، والشاب حميد. ولد نصرو عام 1969 في مدينة عين تموشنت، وكان الصبّي الأول بعد خمس بنات.
حين كان في الثانية من عمره، اشترى له عمه «دربوكة» لم يفارقها. منذ صغره، عرف بصوته العذب، لكنّه انتظر طويلاً قبل أن تتاح أمامه فرصة الظهور الأولى التي منحه إياها مغنٍّ آخر اسمه الشاب الزهواني. لاقى هذا الأخير بداية الثمانينيات، شهرةً في منطقة الغرب الجزائري، وخصوصاً في مدن وهران وعين تموشنت وسيدي بلعباس، وأحيا سهرات في نوادي الباهية الليلية. وكان له فضل في تقريب نصرو، من الأوساط الفنية، ودفعه إلى التقرب من المنتجين والتعرف على المغنين منذ عام 1986... حينها، لم يكن نصرو قد تجاوز السابعة عشرة. بعد سنتين من ذلك، أصدر ألبومه الأوّل بعنوان «متقوليش كلمة نبغيك» (1988). كان الزهواني يصطحب نصرو معه للعب على الدربوكة أحياناً، وعلى آلة السانتي أحياناً أخرى. هكذا وجد نصر الدين اليافع موطئ قدم، وانتقل من العزف إلى الغناء، واختار نهج الأغنية العاطفية. ويشتهر المغني بكثير من النجاحات منها، «يا امرأة» التي يحاكي فيها أغنية «سارة» لكلود بارزوتي، يقول فيها: «يا امرأة عمري فيك ما شكيت/ كنت معاك بالنية/ في النهاية كي خدعتيني أنا حسيت»، كما اشتهر أيضاً بأغنية «ليالي العذاب»: «ليالي العذاب/ عايش يا محبوبي وحدي/ ضرك علي زاد وفراقك يقتل قلبي»، وأدّى أيضاً «عييت نكبّر في قلبي» التي أداها مع الشاب محمد لمين: «عييت نكبر في قلبي/ حتى طال عذابي/ شحال قادي نصبر».
لم يكتفِ نصرو بالغناء عن الحبّ. لقد عاش تجارب حب صعبة، وعرف نساءً كثيرات، وعاش معهن خيبات عاطفيّة. في سنواته الأولى، تأثرّ بإيديت بياف وبجيل الشيخات. لهذا، كان يحقق واحدة من أعزّ أمنياته حين وقف جنباً إلى جنب مع الشيخة الريميتي، قبل أربع سنوات من وفاتها. «كانت الريميتي تستعدّ لإحياء ست حفلات في أميركا، لكن تعذّر على عازف آلة السانتي التنقل مع الفرقة الفنية. هذا ما دفع بالمنظمين إلى الاتصال بي، بحكم قربي وعلاقتي الودية مع الشيخة، ورافقتها في جولتها».
طار الشاب نصرو عام 1997 إلى أميركا هرباً من جحيم الجماعات الإسلامية التي تبنّت عمليات قتل الفنانين رشيد بابا أحمد والشاب عزيز، وبحثاً عن آفاق فنية أكثر رحابة وانفتاحاً. لم يكن يعلم حينها أنّها ستكون المرة الأخيرة التي يرى فيها الجزائر. قريباً سيحتفل المغني بمرور 15 سنة من الاغتراب في بلاد لم يكن يعرف عنها سوى بعض أسماء فنانيها ومشاهيرها في السينما. «بصراحة، واجهتني صعوبات في تسوية وضعيتي وإقامتي القانونية. دخلت دوامة من الانتظار وما زلت أنتظر. سأزور الجزائر في أقرب فرصة بعد تسوية الأمر».
أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 لم تمرّ بسلام على الشاب نصرو، بل تركت أثراً سلبياً في حياته، حتى إنّها أسهمت في تعقيد وضعه القانونيّ. مع ذلك، لا تبدو عليه اليوم الكثير من علامات الأسى والحزن. فهو يواصل الغناء وإصدار الألبومات مع الشركة نفسها التي يتعامل معها في الجزائر والمغرب. «رغم الوضع اللي راني فيه، الراي ما نقدر نتوقف عليه». فهو الحاضر الغائب في مواسم الإصدارات الصيفية. الكل يستمع إلى نصرو في الشوارع والكباريهات والجامعات وفي الأعراس والحفلات والكل يتساءل متى يعود إلى الجزائر. وها هو يصدر أخيراً ألبوم le vrai amour (الحب الحقيقي) الذي كتب كلمات أغانيه الشاعر أحمد حمادي.
من الولايات المتحدة، يتابع الشاب نصرو تطورات الوضع في العالم العربي ويدافع عن خيار التغيير. من ناحية الموسيقى، يصر على التمسّك بطابع الراي خلال سنوات الثمانينيات، رافضاً الانخراط في موجات التجديد التي عرفها هذا الطابع خلال السنوات العشر الماضية.
يفكّر في مواصلة مخاطبة أبناء وطنه في الجزائر وبلغتهم، ويعدهم بالعودة وإحياء «ذكرى الأخ الأكبر الشاب حسني».



5 تواريخ

1969
الولادة في مدينة عين تموشنت
(غربي الجزائر)

1988
أصدر ألبومه الأوّل
«متقوليش كلمة نبغيك»

1997
سافر إلى الولايات المتحدة
هرباً من الموجة الأصوليّة

2008
ألبوم «أوف من الغربة»

2011
ألبومه الجديد Le Vrai amour