الرباط | تحوّل ألكسي جيني إلى جنيّ وهو يبدع روايةً قوية بمناخاتها، وبتفاصيل مدعّمة بقدرة أستاذ علم الأحياء على الوصف. «فنّ الحرب الفرنسي» رواية أولى، لكاتب في نهاية عقده الخامس، لكنّها أعادت لـ«غونكور» رغبتها الأولى، في تكريم عمل أوّل لكاتب شاب، بهدف مساعدته على خط مساره. في «فنّ الحرب الفرنسي» تطرّق «الجنّي» إلى موضوع ما زال يشغل الإبداع الفرنسي بقوّة، ويحرك النقاشات الحارّة: إنّه تاريخ فرنسا الكولونيالي الذي لم يكن كلُّه أنواراً. اشتغل الكاتب على هذا الإرث الثقيل، في ذروة السجال المفتوح حول «الهويّة الوطنيّة في باريس». تحكي الرواية قصة مظلي فرنسي متقاعد، يلتقي إبان حرب الخليج الثانية شاباً في مدينة ليون الفرنسية، ويتحوّل إلى معلّمه... في الرسم. اللقاء بين العجوز والشاب لم يكن إلا مناسبة ليستعيد الرجل كل الحروب التي شارك فيها. يقول البطل في الرواية إن شارل ديغول ــــ الذي يعدّه الفرنسيون بطل التحرير ـــ «هو أكبر كذاب في التاريخ. لكنَّه كان كذاباً كروائيين. لقد بنى بكلامه، قطعة قطعة، الأسطورة التي كنا نحتاج إليها لنعيش في القرن العشرين».
يدور بين الشاب والعجوز حوار حول الهوية... والآخر. حول التاريخ الفرنسي، ومتاهات الكولونياليّة. وهذا منبع قوة الكتاب الأول لألكسي جيني، حسب النقاد الفرنسيين. بعضهم كتب أنّ أسلوبه يستعير من السمفونية والملحمة. مجلّة «ماغازين ليترار» المتخصصة ذهبت أبعد من ذلك حين كتبت: «تستطيع أن تعتبر الكتابة تفكيراً في عبثية الحروب التوسعية، لو لم يكن الكاتب يحمل سرده إلى آفاق روحية، مع أسلوب مكتمل التوازن. إنّه يذهب أبعد من كامو الذي لم يكن يتخيّل جزائر غير فرنسية». أعضاء أكاديمية «غونكور»، لم يخفوا إعجابهم بالعمل. الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبري قال: «كتاب جيولوجيا. إنّه يحفر. من المهم الربط بين التعليق على الأحداث الحالية، وبين سرد الأمس... هذا عمل مكتمل ورائع». الإعلامي والكاتب برنارد بيفو رأى أنّ «العمل جميل بقدرته على الجمع بين متناقضات: مدينة ليون الهادئة وساحات الحروب، بين الأحداث الدامية، ورقّة النساء». أما الطاهر بن جلون، فقد دافع بشراسة عن العمل آب (أغسطس) الماضي في أروقة اللجنة، بعكس وقوفه الحاسم ضدّ رواية «الخريطة والإقليم» لميشال ويلبيك العام الماضي. والسبب؟ «هذا كتاب يضم كل العناصر المهمة لنجاح عمل رواية: الأسلوب، الكتابة والموضوع».
جيني نفسه يعتقد أنّ «فنّ الحرب الفرنسي» قد يكون أهمّ أعماله. حين تسلم الجائزة صرح للصحافة: «أنا سعيد... لا أستطيع أن أقول إنّني سأكتب شيئاً أفضل في المرة المقبلة، لأنّني لا أعرف كيف يمكن أن نكتب أفضل».