حالة من اليأس وانسداد الأفق تلف يوميات الشباب في الجزائر.
رغبة في التغيير وفي السير على خطى سلمية الثورة في تونس تلوح في الأفق. لكن قبل المجازفة في تحدّي المنطق الواحد للسلطة، لا بدّ من الاستفادة من دروس ثورة أكتوبر 1988 وإعادة النظر في الحواريات المتصادمة لشخصيات فيلم «نورمال»، الذي نال أخيراً جائزة أفضل فيلم روائي عربي في «مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي» الأخير.
من الصّعب أن تكون جزائرياً في زمن الربيع العربي وأن تبقى متشبثاً بمقعد المتفرج. في ظل التضييق على الحريات وقمع التظاهرات، تتشتت آراء شخصيات «نورمال» للمخرج المخضرم مرزاق علواش (1944). بين حتمية المواجهة وانتظار إمكانية التغيير الهادئ من الداخل، يدور سيناريو الفيلم الذي عانى صعوبات جمة قبل أن يرى النور. يقول المخرج: «شرعت في تصوير الفيلم في العام 2009 في مناسبة احتضان الجزائر المهرجان الإفريقي الثاني. كانت فكرة السيناريو تدور حول الفساد في قطاع الثقافة. لكن بسبب شح الموارد وامتناع الوزارة عن مساعدة فريق العمل، اوقف التصوير. وهذه السنة، عدتُ إلى الجزائر في ظل الحراك العربي الواسع وواصلت التصوير مع الممثلين أنفسهم، مركزاً على حقيقة اتساع حالات المنع والرقابة».
يحكي سيناريو الفيلم (100 د) قصة الشابين فوزي (نجيب أولبصير) وعديلة (عديلة بن ديمراد) اللذين يريدان انجاز فيلم حول شاب مسرحي يدعى رشيد (نبيل عسلي) فرضت وزارة الثقافة الرقابة على مسرحيته «نورمال» بحجة تضمنها محظورات في المجتمع الجزائري وتشجيعها على ممارسة الرذيلة. لكن تدريجياً، ينتقل مشروع فيلم فوزي وعديلة من طرح قضية الرقابة إلى الخوض في أسئلة أخرى، منها اضطهاد المرأة ونظرة الشباب إلى الثورات في تونس ومصر وغيرهما ورأيهم في إمكان تجسيدها في الجزائر.
محدودية الإمكانات المادية كانت واضحة في الفيلم الذي اعتمد على كاميرات عادية في تصوير بعض المشاهد. كذلك فترة الايام الـ15 التي أنجز فيها التصوير لم تكن كافية. أقرّ صاحب «عمر قاتلاتو» بالظروف الصعبة التي مر بها من أجل إخراج «نورمال» إلى النور. مع ذلك، فإن نقطة القوة التي سنحت له ربما بنيل بجائزة «ترايبكا» (قيمتها 100 ألف دولار) تتمثل في جرأته على الخوض في أسئلة الراهن الحساسة، في جزائر لا تزال تبرهن عن انغلاق وقطيعة في الحوار بين السلطة والشعب. تبدو عديلة متمسكة بطرحها الذي يقضي بضرورة الخروج إلى الشارع وإجبار النظام على الرحيل، بينما يرد عليها فوزي بأهمية التريث وتوظيف السينما والصورة لإنجاح الثورة. ويبين رشيد، من جهته، سخرية تعامل السلطات مع الفنان، بينما تشير مينا إلى ازدواجية شخصية المرأة.
على غرار فيلمي «باب الواد سيتي» (1994) و«باب الويب» (2005) يدور فيلم «نورمال» في الجزائر العاصمة. وعلى شاكلة «حراقة»(2010) حيث يصوّر علواش شباباً مقبلاً على التضحية بحياته من أجل الهروب من البلد، يصور الفيلم رغبتهم اليوم في التخلص من عبء واقع سياسي يفتقر إلى معايير الديموقراطية. وتشير ليندة في حديث لها مع فوزي إلى نقطة غابت عن الجزائر في الأشهر الأخيرة الماضية: «الثورة لا بد من أن تواكبها صحافة حرة». ميل الصحف إلى خدمة آراء النظام وتفانيها في التعتيم على الحقيقة، كانا أحد المواضيع التي ركز عليها مرزاق علواش الذي لا يرجو سوى «أن تسمح السلطات بعرض فيلمه في الجزائر من دون أي رقابة أو قصّ».