القدس المحتلة | ما الذي تود فرقة «تشويش» الفلسطينية قوله في عروضها البصرية السمعية الملطّخة بـ «غناء» الرابر «بويكت»؟ «تشويش» ليس مجرد اسم للثلاثي رُوان أبو رحمة، وباسل عباس ورفيقهما «بويكت» (مقاطعة). لعله المفهوم الأساسي لعمل الفرقة، أي تشويش نظام الصورة المهيمن على حياتنا، نظام الصورة (الرأسمالي، الاستعماري) ذو المعايير المزدوجة التي تمرر الاستغلال.
وأيضاً تشويش على الخطاب المرادف، أي الذي يتجاهل فظاعة الواقع ويواصل ضخ صور استيهامية مضللة لواقع غير موجود كـ «عملية السلام». مواجهة فرقة «تشويش» نظام الصورة المعولم تأتي عبر مواجهة صوره المهيمنة وخلخلتها، بمواجهة الأساطير المؤسسة لهذا الخطاب. تصنع «تشويش» عرضها بمزج تسجيلات وصور أرشيفية: تسجيلات لأوروبا عند نهاية الحربين العالميتين، مشاهد من أفلام تاركوفسكي، رام الله كسجن مكيّف بلوحات إعلانية تبيع الحياة السعيدة وتفاصيل من نظام الأبرتهايد الاستعماري، وحياة الناس المخطوفة التي تستعاد ملامحها بتشويش الصور المسقطة على هذا الواقع.إبراز صور (خطابات) مغيَّبة ونقد صور (خطابات) مهيمنة هي ما تحاول العروض البصرية السمعية لـ «تشويش» عمله. مساءلات تطاول الحياة العربية المعاصرة وفلسطين كمركز لسؤال تحرّرها. منظور نقدي لصالح الطبقات المستغلَّة.
عرض «تشويش» البصري بالغ الحساسية، شفّاف ويجرح. يجيء مع أصوات من الحياة اليومية وموسيقى إلكترونية وأصوات طبيعة هي جزء عضوي من العمل. أما أداء «بويكت» الحي لبعض كلمات الراب أمام الشاشة، فلا يبدو بذات الارتباط بالعرض البصري السمعي، ويبدو زائداً عليه من الناحية الفنية، وإن كان يعطي العرض بعض الشعبوية. عرض «تشويش» لا يبعث على التفكير فحسب من حيث جوهرية الأسئلة والمساءلات التي يقدمها بلغة بصرية لها بصمتها. إنه من نوعية العروض التي يبقى أثرها في المتلقي. لا نهاية للعبة التشويش والتشويش المضاد كما يبدو ويقترح العرض.



الحاجز الإسرائيلي

منذ عام 2003، قدم أعضاء فرقة «تشويش» عروضاً ضمن فرقة «رام الله أندرغراوند» وأخرى فردية في أماكن عدة، كما شاركوا في العديد من المهرجانات في العالم. رُوان أبو رحمة وباسل عباس سبق أن قدما في مجال التركيب عملاً لافتاً عن «الحواجز» الإسرائيلية عُرض للمرة الأولى في ملتقى «أشغال داخلية» البيروتي عام 2010. كان العمل عبارة عن غرفة «تتيح» للمتلقي «فرصة» اختبار جانب من تجربة عبور «الحاجز» الإسرائيلي. بدا عمل أبو رحمة وعباس ذاك قوياً كعمل بصري سمعي، وأيضاً كموقف إنساني مقاوم صادر من قلب الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال. عملهما ذاك كان يبرز «التشويش» كأداة استعمارية لتشويش وعي المستعمرين وإحساسهم بذواتهم.

رواية أخرى

يعرّف «بويكوت» مشروع «تشويش» بأنّه «مشروع أدائي مرئي ومسموع. ونوع اللغة التي نصنعها لا علاقة لها مثلاً بالهيب هوب. هناك بعض العناصر الهيب هوبية، لكن عملنا فن تجريبي. وأنا أعنى بالجانب التجهيزي في الأعمال، بينما يقوم أخي جاد بإتمام المادة الصوتية والموسيقى الإلكترونية. أردنا أن نكون متعددي الاتجاهات. ومن الصعب أن نصنّف فرقتنا في نمط معين. أما الأرشيف، فقد جمعناه منذ ثماني سنوات. كان باسل يعمل على جمع أرشيف صوتي، فيما كانت روان تعمل على أرشيف بصري. من وقتها، بدأنا التعاون. وقد اكتسبنا معرفة مهمة في كيفية استخدام الأرشيف وإعادة تركيبه وصناعته في سياق آخر كي نخرج برواية أخرى».