القاهرة | في نهاية العرض المسرحي «آخر أيام أم دينا»، يتقدّم مخرجه محمد عبد الفتاح مقترباً من الجمهور، ليعلن أنّ فرقة «حالة» تهدي العرض إلى «الأسير» علاء عبد الفتاح، المدوّن والناشط المحبوس احتياطياً، بعدما رفض أن تستجوبه النيابة العسكرية على خلفية أحداث ماسبيرو. ما يجمع عبد الفتاح المخرج، بعبد الفتاح المدوّن أكثر من تشابه الأسماء: يذكرنا المخرج بأن الفرقة قدمت أشهر عروضها «كستور» قبل سنوات، ضمن فعاليات التضامن مع عدد من المدونين المحبوسين، وكان منهم أيضاً علاء عبد الفتاح.
استخدام لفظة «الأسير» بدلاً من السجين، لوصف حالة المدوّن المعتقل، هو جزء من تمرّد لفظي يسود العرض الذي قُدّم في «ساحة روابط» (وسط القاهرة)، وجزء من تمرّد أكبر على «الانضباط» المسرحي إن صح التعبير. حتى إنّ اثنين من الممثلين يؤديان دوريهما وهما يضعان على ملابسهما ملصق «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين». إلا أنّ العرض لا يبتعد كثيراً عن أجواء هذا الشعار وغيره. الفرقة التي بدأت من مسرح الشارع، ما زالت روح الشارع تميّزها، أو تسيطر عليها، فتجعلها في منتصف مسافة حيث بدايتها التفاعل الناجح مع الجمهور، ونهايتها نقص في الاحترافية، وفي الإمكانات المادية أيضاً.
العرض الذي يمتدّ ساعة، يحفل بالإسقاطات، والاقتباسات عن الواقع وعن أعمال فنية أخرى. في عنوان العرض، تلاعب لفظي بين كلمتيّ «أم دينا» و«المدينة»، وهي إحالة على برنامج تلفزيوني شهير هو «حديث المدينة». نعرف ذلك عندما تُعزف الموسيقى المميزة للبرنامج بين فواصل العرض. كما أن الفقرات تقدم من خلال قناة هي cwc، وتتخلّل فقرات القناة أحداث قصة أم دينا وابنتها، في نمط يذكّر بالمسرحية الأشهر للماغوط، ودريد لحام «كاسك يا وطن»، لكنّنا في «أم دينا»، لا نرى دينا ولا أمها، بل نتعرف إلى حياتيهما من خلال تعليق ساخر ـــ كتبه باسم شرف ـــ يقرأه صوت جهوري على خلفية ظلام كامل. يحكي التعليق الذكيّ قصة الأم التي عاشت في زمن كانت فيه الدعارة مرخّصة قبل «ثورة يوليو»، فعملت «بالمهنة»، وصولاً إلى نقل خبرتها إلى ابنتها وانتهاءً بموت الأم. الإسقاط هنا جزء من تمرّد العرض. الأم التي تعمل في الدعارة، تبدو رمزاً للسلطة أحياناً، لكنّها تبدو رمزاً للوطن ذاته في أغلب الأحيان. ليس عجيباً إذاً أن تكون «أم دينا» هي الكيان الوحيد الذي يتفّق على طلبه الجميع، كباراً وشباباً، رجالاً، ونساءً...
في دعايته الساخرة، يقدّم العرض نفسه بوصفه «كوميديا رخيصة»، ويصف نفسه بأنّه «عرض مرسحي (هكذا) غنائي كوميدي «إلى حد ما»، يناقش تاريخ الدعارة وعلاقتها بالإعلام والحكم، ويحوي حكماً ومواعظ». وثمة عنوان فرعي للعرض هو «أنا الرئيس». عنوانٌ استحضرته سخرية غزيرة من معظم المرشحين، على مختلف اتجاهاتهم، وكان أقصاها من المرشح العسكري المفترض. بخلاف ذلك، فإن العرض فعلاً كما يصف نفسه «غنائي كوميدي»، نسج كلمات أغنياته ثلاثة من الشعراء هم مايكل عادل، وأحمد فاروق، ومحمود بلال (يمثّل أيضاً في العرض)، وأعدّ موسيقاه أيمن حلمي. وبذل الممثلون الشبان جهداً بدنياً كبيراً. أما في التمثيل، فقد تميز منهم كل من محمد أبو الفتح ومحمد كلبظ.
تأمل فرقة «حالة» أن تكسر رقمها القياسي الذي حققته مع عرض «كستور» (300 ليلة عرض). في «أم دينا» بدا المسرح مزدحماً، والجمهور متفاعلاً وسعيداً... وما لم تتدخّل أسباب غير فنية، فمن يدري، قد تحقّق الفرقة مرادها.
www.facebook.com/Om.Dinaaa