غزّة | الجسد ليس كتلة آتية من المريخ، بل هيكل تتراكم وتنصهر داخله مشاريع إبراهيم جوابرة (1985). لطالما كان الفنان الفلسطيني الشاب منتبهاً إلى خصوصية «مركبته اللحمية العجيبة»، أي الجسد، ولطالما كان واعياً لدوره الحميمي الفعّال في نقل الباطن إلى السطح. ذات مرة، حزن لفقدان لوحة فنيّة له تحكي تأثير الموسيقى على سلوكيات الإنسان. هاجس خوفه من الفقد مرة أخرى، دفعه إلى أحضان الفن الأدائي، متخذاً من جسده مادّة قابلة للتحوير، بهدف التعبير عن العلاقة الحميمة بين الإنسان وجسده. بدأ جوابرة تجربته في الفنّ الأدائي مع «الحقيبة»، وهو عمل روى خلاله حكاية حقيبة ازدحمت بأوراق ثبوتية: شهادات ميلاد، أوراق سفر، صور، ورسائل عثر عليها في بيت مهجور. أدخل جسده فيها، في إحالة إلى فاجعة تهجير الفلسطيني من بلاده، تاركاً خلفه أصوله وذكرياته.

وفي عمله الأدائي الثاني«الجوع»، كوّم جسده في أحد صناديق الفاكهة والخضروات الخشبية، في إحالة ربّما إلى قرفه من تدنّي قيمة الروح البشرية في المجتمع الفلسطيني إثر الاقتتال الداخلي، وجرائم الاحتلال والحصار.
في عمل آخر، تكوّم في مكعّب زجاجي للتعبير عن صراعاته مع داخله المحاصر المنعزل، فيما يراقب العالم من الخارج. تجارب عديدة، وجد فيها جوابرة جسده أداة طيّعة للتعبير عمّا يجول في داخله.
من هنا، انطلقت تجربته الأدائية الجديدة للتعبير عن كرهه للحواجز الإسرائيلية التي تقطّع أوصال الضفة الغربية. أراد التعبير عن غضبه من مواصلة العالم بأكمله حياته الطبيعية، فيما ينشغل هو في محاولة تجاوز تلك الحواجز بين مدينة وأخرى... كأنّ الحواجز لا تكتفي بسرقة أعمار الفلسطينيين، بل تنصّب نفسها هدفاً كبيراً لحياتهم! من هنا، نفذّ بجسده عملية «ترانزيت» فنيّة للحاجز، تبلغ مدّتها أربع دقائق. انقسم المشهد ذاته إلى لوحتين، أولاهما جزء من الحاجز يظهر بموازاته شاب جريح يحبو بكل طاقته المتهالكة باتجاهه، محاولاً تجاوزه. فيما تظهر قدم ترمز إلى المستوطن تعيقه عن التجاوز . وفي اللوحة الثانية، شاب وفتاة يستخدمان الحاجز كمقعد. رغم تحفّظ مجتمعه التقليدي، وجد جوابرة في جسده مادةً لعمله الفنّي، وطريقاً لمواصلة البحث عن سبل جديدة لنقل أفكاره وقضيّته.