عكا | تحت عنوان «المبني للمجهول» يلتقى محمد جحا وحازم حرب في «مؤسسة المعمل للفن المعاصر» في القدس، ضمن معرض يستمر حتى 15 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. يقدّم المعرض وجهة نظر إنسانية وفنّية إزاء تاريخ البشرية، وما مرّ عليها منذ عهد آدم حتى اليوم. يرى الفنانان أنّه منذ أن قتل قاييل أخاه هابيل، والإنسان مفطوم على الشر ونصب الكمائن للآخر، من خلال خطط ومنهجيات مبرمجة ومدروسة. لقد صار خوف الناس بعضهم من البعض الآخر، ومن المستقبل المجهول «القشة التي قصمت ظهر البعير». هذا الخوف معطوفاً عليه ميل الإنسان إلى الشرّ كوسيلة لتحقيق أهدافه، أدّى إلى بناء جدران ذات طبيعة نفسية وجغرافية تهدف إلى العزل، أو كما يقول الفيلسوف الهندي طاغور في قصيدته «أغنية الشاعر» إنّ «المعلوم، في هذا الكون، يلعب مع المجهول لعبة التخفّي».هذه «الجدران الإسمنتية» العالية عملت على تكريس الانفصال النفسي والزمني والجغرافي، وسُمِّيت اليوم «إجبار الذات» على التخلي عن الآخر. من خلال الرسم، جسد الثنائي جحا وحرب في أعمالهما الفردية العلاقة بين الإنسان ـــــ وتحديداً الفلسطيني ـــــ والجدار القسري النفسي والجغرافي الذي فُرض عليه على مرّ التاريخ؛ منذ نكبة الـ 1948، وصولاً إلى نكسة الـ 1967 مروراً بالحروب التي عاشها في بيئته الأولى، أو التي طُرد إليها قسراً.
وعلى نحو أوسع، تعكس اللوحات قضايا عديدة معاصرة في العالم العربي كالفوارق الطبقية، والمستويات المعيشية والنزعات العنصرية. كلّ هذه العوامل تؤثر على نحو يومي ومباشر في التركيبة المعنوية والفيزيائية للإنسان أينما كان.
من خلال 21 لوحة ذات أحجام مختلفة، نُفِّذت بخامات ووسائط مختلفة (كولاج، وأكريليك...)، عكس الفنانان الفلسطينيان كل هذه الأفكار، وخصوصاً النكبة التي أدّت إلى شعب مشرّد بفعل السياسات الاستراتيجية والقسرية والعنصرية من جانب الاحتلال الإسرائيلي.
يقول محمد جحا (غزة ـــــ 1978) وحازم حرب (غزة ـــــ 1980) لـ «الأخبار» «إنّ هذا الكمّ من اللوحات الفنّية، حيث يبدو المفهوم واضحاً، يأتي كمعالجة موضوعية للحوار العام، وطريقة سرده التي تتمثل في إيقاعات لونية ديناميكية ذات ألوان حارة تارة، وباردة طوراً». ويرى جحا أنّ «العنصر الأساسي في اللوحات، هو وجود شخصيات مبهمة الملامح، رغم وضوح الألوان وغناها وزهوها على سطح اللوحة. لقد اختلطت المشاعر وتماهى الواقع مع الخيال، وباتت اللوحة انعكاساً للتناقضات التي نعيشها في مواجهة مستقبل بلا ملامح».
الفنانان جاءا من غزة. ورغم حضور العالم العربي على نحو عام في أعمال «المبني للمجهول»، وخصوصاً فلسطين، لكن مدينتهما تحتل ـــــ كالعادة في مشاريعهما الفنّية ـــــ مكان الصدارة. يصفها الثنائي بـ «المدينة الرمادية». ويرى جحا أنّ غزة تنال حصة الأسد من المعرض لكونها تنطبق عليها فكرة «المبني للمجهول». ويضيف: «غزة عبارة عن مرتع وساحات خصبة لتعزيز بناء هذا المجهول فيها، لكون أهل غزة ما زالوا يخضعون لخصخصة الفكرة وتصلّب الآراء ومحدودية تحقيق أهداف المدينة بسبب واقعها المحاصَر. الانقسامات والنزاعات أدّت إلى ميول وتيارات حزبية مختلفة، ليس فقط على صعيد المجتمع ككل، بل أيضاً في البيوت وبين الإخوة». لذا يصف جحا وحرب وجود غزة في معظم أعمالهما الفنّية بـ «أننا في صلب الفكرة».

All that is unknown: حتى 15 كانون الأول (ديسمبر) المقبل ـــــ «مؤسسة المعمل للفن المعاصر»، القدس ـــــ www.almamalfoundation.org



طفولة مبحوحة

يقول محمد جحا في تعريف المعرض: «السواد الأعظم من الأطفال في العديد من المجتمعات خسروا حقوقهم الفردية وحريتهم ودورهم الأساسي في التعلّم واللعب والتعبير عن حاجتهم إلى الحلم والأمل. أعداد هؤلاء تزيد باطراد. واليوم، تشير الإحصاءات إلى أنّه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سجّل عام 2010 وحده، وجود ألف طفل مقدسي دون الـ 17 عاماً، قابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي في وضع يمنعهم من التعبير عن رفضهم والدفاع عن حقوقهم».