لا نأتي بجديد إن قلنا إنّ الإعلام السوري يغطّ في سبات طويل، بينما تحرص وزارة الإعلام على إدارة مؤسساتها بطريقة سمتها العامة العشوائية والفوضى. هكذا، تركت هذه الوزارة كل برامجها الفاشلة وقررت أن تنهي حياة برنامج «من الآخر» الذي يعدّه ويقدمه جعفر أحمد كأن القرار الإعلامي يريد أن يقول «لا نقبل بأن يوضع المسؤول في خانة المتّهم، ولا نرضى بأن تتحول محطاتنا ولو في برنامج يتيم إلى صوت الناس ولسانهم الذي يريد محاكمة أي مسؤول». الغريب أنّ البرنامج حقق خطوات هامة في تاريخه القصير، بخاصة حين تمكّن بمساندة من الجيش السوري من تجاوز أسوار محافظة دير الزور ولقاء المحافظ في حوار جريء، ثم صوّر أحوال الناس هناك وعاد بمادة فيلمية تصلح شريطاً وثائقياً يستقصي أحوال المواطنين المعدومة، ويحكي وجعهم ويصوّر قهرهم وهم يعيشون في مدينة كانت منسية أيام السلم، فصارت منسية ومدمّرة يحاصرها الجوع والخوف والخراب أيام الحرب! (الأخبار28/8/2015). كذلك، التقى البرنامج في حلقات أخرى عدداً من المسؤولين السوريين وناقشهم بشفافية عالية ووضعهم في خانة المقصّر أمام الرأي العام. طبعاً استفاد «من الآخر» من شخصيّة مقدمه الجريئة التي لا تحسب حساباً لأي مسؤول مهما ارتقى شأنه، بخاصة أنّ المذيع يجاهر في تأييده للنظام السوري منذ بداية الأحداث، وكان من الإعلاميين الذين استقبلهم الرئيس بشار الأسد أكثر من مرّة.
كل ما سبق لم يشفع للبرنامج بالاستمرار، إذ علمنا أنّ الأخير أوقف «بعد إجتماع رئاسة مجلس الوزراء والإيعاز لوزارة الإعلام للإطاحة بالبرنامج الذي يصغّر من مكانة المسؤولين، وقد استضاف في آخر حلقاته مَن يسمّون أنفسهم معارضة داخلية».
أما المذيع جعفر أحمد، فقد قال لنا: «أوقف البرنامج من قبل وزارة الإعلام كأن بها تريد أن تبقي علينا في سجن القيود والخطوط الحمر والعقلية الخشبية التي تتحكم بمفاصل القرار الإعلامي السوري. كنا ننتظر أن يحاكم المسؤولين الذين جابههم "من الآخر" أو أن يتم الضرب بيد من حديد على تجّار الأزمة وفاسدي الحروب الذين يعرّيهم الإعلام الصادق بدلاً من إيقاف صوت سلمي صريح وجريء وصاحب حق في زمن الرداءة». من جهة أخرى يشرح الأحمد بتفاؤل: «على أي حال لا يمكن لمثل هذا البرنامج أن يموت لأنه مثّل صوت الناس وأرضى ضمائرهم وتحّدث بلسان كل واحد فيهم» قبل أن يضيف بأسف: «كلّما اشتدت عزائمنا ونحن نجابه الإرهاب، كان هناك من يحترف تبديد تلك العزائم ويجيد صناعة إحباطنا بقراراته الخاطئة وربما تواطئه غير المقصود مع الفساد الذي من شأنه أن يجعلنا ضعفاء. لكن لن يقف العالم هنا كما جرّبنا وحققنا خطوات مهمة في هذا البرنامج، سنجرّب ونحاول ونمضي بخطوات أكثر أهمية وعمق مستفيدين من تجربتنا ومغامرتنا في هذا البرنامج. أريد أن اعتذر من الجمهور إن خيّبنا آماله في مكان ما، وأتمنى التوفيق لجميع فريق البرنامج في مشوارهم القادم».