حين تكوّن مجلس التعاون الخليجي مطلع الثمانينيات، كان يتألف من ست دول هي: السعودية، والكويت، والامارات العربية المتحدة، وأبو ظبي، والبحرين، وعمان. حينذاك كان لدى الدول المؤسسة هواجس كثيرة أبرزها اسرائيل العدو المشترك، ثم الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فالعراق وإيران، والقضية الفلسطينية والصراع على النفط وتنافس الشرق والغرب عليه. بعد ثلاثة عقود على تأسيس المجلس، شهد تغيرات دراماتيكية، أهمها انهيار الاتحاد السوفياتي، وضعف الاحزاب القومية، وتوحيد أوروبا، وبروز اليورو... امام هذه التغيرات، يجد مجلس التعاون نفسه في مأزق تلو آخر، ولا تزال الخلافات بين اعضائه مستعرة.
منذ ثلاثين عاماً، أجرى رياض نجيب الريّس أربعة حوارات مع كل من سلطان عمان قابوس بن سعيد، ورئيس دولة الامارات العربية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ورئيس وزراء البحرين الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ووزير خارجية السعودية الامير سعود الفيصل. وها هي تصدر الآن عن «دار الريّس» مجموعةً في كتاب «أوراق منسية؛ أحاديث هزت الخليج 1979 ـــ 1985». في هذه الحوارات، بدت واضحةً الهواجس والخلافات... السلطان قابوس كان يخشى التدخل الأجنبي، وقال: «إذا تهدّدت مصالح الدول الكبرى في الخليج، فهذه الدول لن تستأذن أحداً بالتدخل». حتى أنّه دعا إلى الانضمام للحلف الأطلسي لدرء خطر الاتحاد السوفياتي. أما الشيخ زايد بن سلطان، فاستبشر خيراً بنظام الثورة في إيران، ولم يجد في الاتحاد السوفياتي عدواً. أما حديث رئيس وزراء البحرين (قبل أن تصير مملكة) فكان بمثابة نبوءة، وكان «الشيطان الاكبر» بالنسبة له، هو إيران، إذ قال: «إن البحرين اذا احتاجت إلى قوات سعودية، فسوف تطلبها في حينه».
الحديث الرابع كان مع الأمير سعود الفيصل، كانت هواجسه فلسطين، والوحدة الفلسطينية، وشؤون النفط والصراع الدولي عليه... أما بالنسبة إلى إيران والعراق، فرأى بعضهم في كل منهما قوة قد تضاف إلى قوة المجلس ورحّب بانضمامهما، في حين رأى البعض الآخر في إحداهما قوة عدوة ومتآمرة وخطراً يتهدد الخليج. ورغم هذا التضارب، فإنّ الرأي السائد كان التوجّس من هاتين القوتين. وهنا يتساءل قارئ الكتاب كيف أمضى هؤلاء المسؤولون ما يزيد على العقود الثلاثة، من دون أن تتضاءل هواجسهم، بل تفاقمت. فالعراق آل إلى حروب واحتلال، وإيران باتت «الخطر الداهم والعدو المشترك». ولم يستطع الحكام الأربعة ضمّ تلك القوتين إلى قوتهم، ولم يستطيعوا درء خطرهما عنهم، ولا تزال أطماع الغرب داهمة، وإسرائيل جاثمة فوق قلوب الجميع، وفلسطين ضائعة.
لعلنا نجد الإجابة في كتاب آخر لرياض الريّس هو «رياح الشرق ــــ الخليج والعالم العربي عند نهاية القرن العشرين» (2001)، وعلى لسان مسؤول خليجي، حدّثه على هامش أحد مؤتمرات «مجلس التعاون». «ما زالت حرب داحس والغبراء مستعرة بصمت بين هؤلاء الناس. كلهم يغارون بعضهم من بعض، أكثرهم لا يتحدث مع الآخر إلا في المناسبات، وبعضهم لا يثق بالآخر ولو طوّب له الجنة، هذا إذا تجاوزنا الحساسيات الشخصية والقطرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية».
يشرح الريّس في مدخل «أوراق منسية» لماذا نشر هذه الأحاديث «المنسية». «في واقعنا المرير، والاحداث المذهلة، لا بد للصحافي من أن ينظر إلى الماضي بعيون الحاضر، مدركاً أنّ الصورة بالأمس ليست بعيدة إلى هذا الحد من الصورة اليوم» بل إنها قريبة جداً!
أخيراً لا بد لقارئ هذا الكتاب من المقارنة بين صحافة تلك الأيام، وصحافة اليوم... دور الصحافي الحقيقي ليس التحدي السافر لمحدثه، بل هو ذلك الذي يحرّض المحدث على الكلام فيبوح له بما يباح، وبما لا يباح.