لم نعد نسمع صوتها الحقيقي حين نسمعها، بل تلك الأصداء الطالعة من الوجدان الجماعي. كلّما مرّ الوقت الذي يفصلنا عن ذواتنا، تبدو فيروز حالة مجرّدة. طيفاً وأسطورة. صوتاً وذاكرة. نكاد ننسى دائماً أنّها امرأة مثلنا، مهما ابتعدت عن الحياة العامة. من هنا الدهشة التي تنتابنا كل مرّة، فمن النادر في حياتنا كبشر أن نقابل أطيافاً. من النادر أن نعانق سراب المرأة ـــ الصوت التي تجسّد ذاكرتنا الحيّة. إنّها حاملة الوعود، والأحلام، والـ«أمل» بعالم أفضل.
بالرخاء والاستقرار والطمأنينة والعدالة. بعودة الحب، والزمن الهارب، والأصدقاء الذين لا يبقى غيرهم في النهاية... فيروز كل ما تبقى لنا من الزمن السعيد، حين كان للأشياء مذاق، وللكلمات معنى، وللأوطان بُناة، وللمساكين شمس، وللأفكار مَن يؤمن بها، وللنساء من يستحقّهنّ، وللحريّة من يطلع من أجلها على المرّيخ.
كل اطلالة لفيروز تترافق مع لحظة سياسية خاصة. في أواخر 2006، وقفت بين المعتصمين في قلب بيروت، لتنتهر الحاكم الفاسد باسم «الأهالي الناطرين». في الخريف الماضي، بشّرت الشعوب العربيّة بالأمل على شفا البركان. والآن تطلّ بعد الانفجار الكبير، المهدّد بالاحتواء والتدجين. الليلة، لا شك في أن صوت «السيّدة» سيحمل بلسماً للشعب السوري الجريح. فيروز، أما زال هناك من أمل؟