الرباط | في «مذكّرات هدى شعراوي» (نشرت عام ١٩٧٦ بعد رحيلها بـ29 عاماً)، يأتينا صوت المرأة من خلف القبر. يترصد الكتاب محطات مختلفة من حياة امرأة كسرت قيود التبعية للرجل، فصارت رائدة من رائدات الحركة النسوية العربية. تستعيد شعراوي الطفولة، لكن خصوصاً وفاة والدها «كنت في الخامسة من عمري عندما وقع هذا الحدث الجسيم. توفي والدي المرحوم محمد سلطان باشا يوم 14 آب (أغسطس) 1884 في مدينة غراتس في النمسا». الانطلاق من الوفاة، ليس سوى مبرر للحديث عن الأصول. العائلة ذات الأصول الحجازية تنتمي إلى برجوازية الصعيد، والوالد تدرج في سلك الخدمة العمومية قبل أن يصبح أول رئيس للبرلمان المصري، والحاكم العام للصعيد رغم أنها تنفي الأمر في الكتاب، فالمرأة مشغولة بالدفاع عن ذاكرة والدها الذي يتهمه منافسوه بالخيانة وبيع مصر للإنكليز. على مر الصفحات، تستعيد طفولتها: «ختمت القرآن والكتابة ودراسة اللغة التركية والخط الرقعة والنسخ» قبل أن تستدرك بأنها لم تكن تكتفي بما يلقّنها إيّاه معلموها: «كنت أشتري من أمام الباب خلسة الكتب العربية من الباعة المتجولين، وكان ذلك محظوراً علينا. وكنت بفطرتي أميل للشعر».

شعراوي الطفلة كانت تعي منذ البداية أنها قريبة من المهمشين في المجتمع. لهذا، كانت تحب المربي («العبد») سعيد آغا: «كنت أحب سعيد لأنني كنت أشعر بحبه وإخلاصه لنا رغم ما يظهره من القسوة أحياناً». مذكرات شعراوي لا تغفل لحظة الزواج وهي طفلة. تتذكر أنّها رأت في عيون النساء لطفاً ستفهم بعد سنوات أنه كان شفقةً على حداثة سنها، وهي تساق إلى زواج مبكر. تتذكر حلوان، وكيف كانت مصيفاً للبرجوازية المقربة من البلاط، وكيف كانت النساء يتجوّلن فيها بكل حرية بعيداً عن قيود المدن الكبرى. كبرت الطفلة وصارت امرأة ناشطة ستحاول خلق رابطة أدبية للنساء. وحين ستفشل المحاولة الأولى «بقينا نتلمس كل فرصة لتوجيه اهتمام السيدات إلى الأمور الاجتماعية من خلال دعوتهن إلى معارض الفنون الجميلة».
في الكتاب، تتحدث شعراوي عن أسباب تخلّف الشرق ببعض القسوة. تقول: «تسامح الشرق ورقّة شعوره هما سبب تأخره واضمحلاله». شرق وجدت نقيضه في أوروبا وتحديداً في فرنسا. «دعيت إلى اجتماع نسائي تطالب فيه السيدات بمساواة المرأة مع الرجل في الحقوق والانتخاب. صرت أعتقد أن الأوروبيين وصلوا إلى درجة عظيمة من الرقي». رحلات شعراوي الأوروبية، تلقى صدى كبيراً في الكتاب، وخصوصاً زيارتها إلى عاصمة الأنوار باريس. أنوار نقلت بذرتها إلى مجتمع عربي كانت لا تزال نساؤه في ظلمة التبعية للرجل.