سلا | حالما تطأ قدمك مدينة الرباط المغربيّة، يصير الاتصال بالروائي أحمد الكبيري ضرورياً. نلقاه في جلسة هادئة في الباحة الخارجية لمقهى «باليما» الشهير، المطل على مبنى البرلمان. وبعد ارتشاف الآتاي المغربي، يقرر أن يأخذنا إلى مدينة سلا، ليطلعنا على مشروع جديد، افتتحه في شقّة صغيرة... إنّه بيت إبداعي، سيجعله صومعةً للمبدعين الزائرين. «استلفت ثمنه، وسأمنحه لكلّ صديق مبدع يزور الرباط، ليكون مسكنه الشخصي، عوضاً عن الإقامة في فندق»، يخبرنا.
البيت قريب من البحر. يمكن سماع ارتطام الأمواج بالشاطئ، وزعيق النوارس. أهمّ ما في هذا في المسكن، مكتبته الضخمة التي تحتوي على معظم الدوريات والكتب النقدية والروائية والتاريخية والفنية، إضافةً إلى تسجيلات مسموعة ومرئية. ونظراً إلى أهميّة المكان بنظر صاحبه، فقد وضع على زوّاره قواعد صارمة، فهو مخصص للعمل فقط، ولا يمكن اقتراض مقتنياته، وخصوصاً الكتب... كما أنّ التدخين ممنوع في داخله.
في انتظار وافد جديد، يعمل أحمد الكبيري حالياً على إتمام روايته الثالثة في بيته الإبداعي. سيستكمل بذلك ثلاثيّته المغربيّة بعد «مصابيح مطفأة» (2004)، و«مقابر مشتعلة» (2007). يعدّ الكبيري من كتّاب الواقعية، يقارب الواقع المغربي المعيش، من دون فانتازيا، أو ميثولوجيا، أو تجريب... كتابته ذات خصوصية مغربية. خلفيات روايته المكانية، مدن وقرى مغربيّة عاش فيها، أو مدن أوروبيّة سافر إليها أبطاله من المهمشين. تدور أحداث الرواية المرتقبة بين باريس ومدن مغربيّة عدّة، أثناء فترة الحماية الفرنسيّة على المغرب (1912 ـــ 1956). نسأله عن رأيه في سجال الريادة الثقافية بين المشارقة والمغاربة، فيقول: «زمن الريادات والبطولات انتهى، نحن أمام تحديات كبرى، هي كيف نتجاوز تخلفنا، وفقرنا، وأميّتنا، وأمراضنا المجتمعية، وكيف نعيد إلى العربي كرامته ونحافظ على هويته واستقلاله». نسأله إن كان الربيع العربي سيطاول المغرب، فيقول: «لا أعتقد أنّ الوضع في المغرب سيعرف ثورة شبيهة بالتي حصلت في ليبيا وفي تونس ومصر، لأن الوضع هنا مختلف جداً. الشعارات التي يحملها المغاربة لا تدعو إلى الثورة، بقدر ما تدعو إلى محاربة الفساد، وإعادة النظر في توزيع الثروات».
من ناحية أخرى، يبدو متفائلاً بمستوى الرواية المغربيّة الحديثة، «فهي تواصل إصرارها على خلق التميز والفرادة، مطبوعةً بالعودة إلى الذات وحكاية قضايا الناس والوطن».