بغداد | لا يمكن الكتابة عن رحيل محمود عبد الوهاب (1929 ـــ 2011)، كما يتمّ اجترار المراثي المعتادة. ذلك الأديب الرائد في مجال القصّة، رحل عن عالمنا منذ أيام، ووري في ثرى مقبرة الحسن البصري في البصرة، بجوار صديقيه الشاعرين بدر شاكر السيّاب ومحمود البريكان.
بدأت مسيرة الشاعر الطويلة والشاقّة من بغداد، حيث تخرّج من كلية الآداب خلال خمسينيات القرن الماضي. بعدها سافر إلى إنكلترا بهدف نيل الدكتوراه من «جامعة كامبريدج». لكنّ وفاة أمّه أعادته إلى البصرة، ليصير مديراً لإحدى مدارسها. في الستينيات، عاش تجربة الفصل من الوظيفة، والسجن ... قرّر بعدها إكمال الدراسة في جامعة «عين شمس» المصريّة، لكنّ حالته الاقتصاديّة منعته من المواصلة. إطلالته على الوسط الأدبيّ أتت مع نشره أوّل قصّة في مجلة «الآداب» اللبنانيّة، بعنوان «القطار الصاعد إلى بغداد»، وحملت باكورته القصصية عنوان «رائحة الشتاء». وتوالت بعدها الإصدارات من دراسة «ثريا النصّ» النقديّة، إلى رواية «رغوة السحاب»، إضافة إلى كتابين آخرين قيد الإصدار، هما: رواية «سيرة بحجم الكف»، وديوان «شعرية العمر».

لم يكن محمود عبد الوهاب اسماً عادياً في الثقافة العراقيّة وحراكها، إذ ترأس «اتحاد أدباء البصرة»، وعرف بصداقته مع المثقفين والكتاب الشباب كأنّ لسان حاله يقول: «ما زلت أحمل روح هؤلاء». وإن كان قد عُرف كقاص وروائي، إلا أنّ تجربته في قصيدة النثر حملت بصمة مميّزة أيضاً ... يقول في قصيدة كتبها عام 2001: «الفجيعة أنْ تفتحَ عينيك فجأةً/ وترى عمرَك لا يصلح لشيء».
ها هو عبد الوهاب يغادر الحياة ومكتبة صغيرة تشهد على تعلّقه الاستثنائيّ بالكتابة وعوالمها. أليس هو من كتب قبل أشهر نصاً بعنوان «في مديح الورقة»، وجاء فيه: «ورقة المبدع، ثمّ نصّه المكتوب والمطبوع، هي رحلة المستكشف إلى قارةٍ مجهولةٍ، لا يعرف المبدع نفسه كثافة أدغالها المتشابكة، إلا بعد أن تكون الورقة منجزاً واضح القسَمات».
صفحات أصدقائه ومحبّيه على فايسبوك، تعجّ بتعليقات الحزن على فقدانه. من محل إقامته في الولايات المتحدة، يكتب الناقد العراقيّ حاتم الصكر: «محمود عبد الوهاب في سكّة خلود خطّها بيديه مكافحاً، أبيض القلب والضمير، ومبدعاً فذّاً مخلصاً. الرحمة لنا كلّنا».