دبي | ما زالت «معارك الحب» (2004) قائمة. فيلم دانيال عربيد الروائي الطويل الأول قال لنا ذلك من عنوانه، بينما جديدها «بيروت بالليل» يضعنا في خضم تلك المعارك، ومعارك أخرى تمضي برفقة ذلك الحب الذي يخرج من حانات بيروت وليلها، من صوت المغنية زها (دارين حمزة ــ الصورة) وهي تحول أغنيات أسمهان، وليلى مراد وأخريات إلى أغاني جاز، وتقع في حب ذاك الفرنسي الغامض ماثيو (شارل برلينغ) الذي يتبادل معها الحديث بينما تكون في انتظار صديقها.
ستتشابك خيوط كثيرة لدى ماثيو، خصوصاً من خلال علاقته بعباس (فادي أبي سمرا) الذي سيطلب مساعدته وتأمين سفره إلى فرنسا، لكونه يمتلك شاهداً على علاقة بجريمة مقتل رفيق الحريري. ماثيو مدين لعباس بخدمة قديمة لكون الأخير حرّر ابن السفير الفرنسي حين كان مختطفاً أثناء الحرب الأهلية. عباس خائف مما يبدو تهمة جاهزة في الفيلم، هي العمالة لإسرائيل، وهو يقول إنّه سيتهم بذلك لأن لديه ذلك الشاهد. يمضي الفيلم وماثيو يتنقل بين بيروت ودمشق، ويجري مباحثات لصالح شركة هاتف خلوي. هذا فقط ما نعرفه عما يفعله ماثيو، يذهب إلى دمشق ويعود منها، ثم يغيب. وحين تقطع زها الأمل من عودته، يظهر كما لو أنه عاد فقط من أجلها. ماثيو محامٍ، مطلّق ولديه ابن، ستسحره زها، المرأة الجامحة والحرّة، وكل ما حولهما مناهض لهذا الحب، وبيروت في فيلم عربيد على حافة انفجار لكنّه غامض. هناك وباء استخباراتي قد اجتاح الجميع.
كل ما في الفيلم استخباراتي، والكلّ يراقب زها وماثيو وهما غارقان في حبّ محموم. عباس سيراقب ماثيو من خلال «قريبه»، وزوج زها الذي هجرته (رودني حداد) يلاحقها، وهناك من يراقب ماثيو لحمايته ممن يراقبونه من قبل عباس. وكذلك الأمر مع زها التي يرصدها رجال الأمن لكون خالها ضابط أمن كبيراً. إنّها متاهة تنفرط في النهاية، والهزيمة ستطاول الجميع، لا الحب سينتصر ولا أحد سينجو، بمن فيهم ماثيو نفسه الذي صار مهووساً بزها وقد أصبحت حب حياته الهارب.
يحضر الجنس بقوة في أفلام عربيد، وهو كذلك في «بيروت بالليل» لكن بجرعات أقل من «رجل ضائع» (2007) حيث كانت تنقّلات الفيلم وأحداثه مبنية على إيروتيكية تصاعدية وسنقع على مشاهد اباحيّة ضمن احتفالية بأجساد النساء. الفيلم لم يعرض في لبنان بالطبع، فيما احتضنته مهرجانات دوليّة مهمّة أوّلها «كان».
في «بيروت بالليل»، لا تهيمن الايروسيّة، بل تقتصر على ثلاثة مشاهد تحضر فيها المواراة. فيما تكاد تكون موضوع الفيلم السابق. في «رجل ضائع»، متى كان هناك رجل مقابل امرأة، فإنّ جنساً سيقع لا محالة.
هذا الجنس المتنقل في أفلام دانيال عربيد يوحي بأنّه فعل تمرّد سياسي ووجودي، ومسعى لمقاربة الجنس من زاوية ذكورية. لكن عربيد التي تقول إنّها معجبة بحركة SlutWalk، حيث الاحتفاء بالجسد والجمال ليس تناقضاً مع النسوية. كما أنّ قوة المرأة لا تأتي من أن «تسترجل»، أو تلغي أنوثتها، بل على العكس. الاحتفاء بالجسد من وجهة نظرها تحيّة للأنوثة، واحتفاء بالمرأة والرجل، والحريّة والحياة. بل لعلّ مقاربة الايروسيّة بهذا الشكل، تبدو لها عنواناً عريضاً للدفاع عن المرأة وحقوقها ومساواتها بالرجل. مقاربة فكريّة وفلسفيّة ما زالت البنى الذكوريّة العربيّة عاجزة عن استيعابها... وحتّى في المجتمع اللبناني!



انطلقت حركة SlutWalk في 3 نيسان (أبريل) 2011 ، في رد فعل على تصريح مسؤولة في الشرطة الكنديّة، بأن تجنّب النساء الاغتصاب «يتطلب منهن تجنب ارتداء ثياب تشبه ثياب العاهرات»، كما لو أن جمال المرأة الظاهر يحلّل جريمة الاعتداء عليها! وقد لجأت مناصرات إلى المبالغة في اللباس الخفيف والمثير «مثل العاهرات»، لتعمّد الاستفزاز وتحدّي الخطاب الذكوري السائد.