فوشيا، وبرتقالي، وأخضر فاتح ... الألوان الزاهية في مجموعة «الانهيار الكبير» للودي أبي اللمع (1986)، لا توحي باليأس ولا بالكساد. اختارت التشكيلية اللبنانية الشابّة الإحالة إلى مرحلة سوداء من تاريخ الاقتصاد الأميركي، لتسقطها على الواقع اللبناني. لا يخلو هذا الخيار من سخرية مبطّنة، تعزّزها الألوان الخفيفة والزاهية. «الانهيار الكبير» مشروع فنيّ متواصل، بدأته أبي اللمع مطلع العام الحالي، وقدّمت جزءاً منه في معرض احتضنته صالة «آرت سيركل» (الحمراء ـــــ بيروت) أخيراً، وستواصله ضمن إقامة فنيّة في لندن مطلع 2012. الفنانة التي نشأت في بريطانيا ودرست الفنون في إحدى جامعاتها، تخلط بين ممارسات فنيّة عدة. في البداية، تنفّذ بيرفورمانس في الشارع: تُلبس نفسها لافتةً شبيهة بما كان يحمله المحتجّون أثناء انهيار 1929. تجول بين المارّة، وتطلب منهم ارتداء لافتة مماثلة، ليكتبوا عليها ما يخطر في بالهم. منهم عامل مصريّ في محطّة وقود يهلّل لمحاكمة مبارك، وبائع علكة يوفّر أمواله من خلال «دكّها» في القصب، وفنانة تحتجّ على عقليّة السوق، سائلةً: «شو عم بيع بطاطا» ...
وحتى مؤرّخ في «طور الانقراض». صوّرت لودي هؤلاء، ثمّ لوّنت الصور، وطبعتها مستخدمة تقنيّة آندي وارهول في الطباعة بالشاشة الحريريّة. في الخلفيّة، وجوه مرسومة لعجقة الناس وسط الـ«كاوس» Chaos اللبناني، كما تصفه الفنانة.
إلى جانب طابعها الفكاهي الواضح، تحمل الأعمال طابعاً احتجاجياً مبطناً، ولد بالتزامن مع انطلاقة الثورات في تونس ومصر، وإن لم يتأثر بها مباشرةً. منذ عام 2008، عملت لودي على بورتريهات لنجوم الشاشة العربيّة، ضمن سلسلة «بوب عربي». على الطريقة الوارهوليّة، رسمت عبد الحليم، وسعاد حسني، وفيروز، وأسمهان، وأم كلثوم، وفريد الأطرش ... وضمن سلسلة «أبطال»، رسمت عبد الناصر، وياسر عرفات وآخرين.
في «الانهيار الكبير» تغادر لودي منطقة الدهشة والتزيين، لتقدّم نفسها كفنانة مسيّسة. رغم تجربتها القصيرة، تبدو قادرة على العمل في إطار مفهومي، وعلى مسّ المتلقّي بخطاب يسائل المسلّمات، وازدواجيّة المجتمع اللبناني، وطبقيّته، وعنصريّته، وخصوصاً نظرته إلى الفنّ والمرأة. في أتوبورتريه تحمل لافتةً تقول: «فنانة لبنانيّة أنثى، تبحث عن معاملة عادلة ومحقّة في عالم الفنّ». برأيها، فإنّ المجتمع الشرقي عموماً لا يعترف بالمرأة/ الفنانة ويستخفّ بها، ويضع جهدها دوماً في إطار «إيكزوتيك».
بعيداً عن بيروت، ستواصل أبي اللمع عملها على مشروع «الانهيار الكبير». مطلع 2012، ستذهب لملاقاة المحتجين ضدّ النظام الرأسمالي في لندن، لتصوّرهم مع شعاراتهم ... لنا أن نتخيّل النتيجة.