كان الأب عبدو أبو كسم، من دون شك، نجم الجلسة الثانية من مؤتمر «الحريات الثقافية في المشرق العربي: بين الرقابة وآفاق الربيع» (ينظّمه مركز «سكايز») الذي بدأ أعماله أمس في فندق «ريفييرا» في بيروت. خلال جلسة «هل من مبررات للرقابة على الثقافة؟»، حاول رئيس «المركز الكاثوليكي للإعلام» الظهور بمظهر رجل الدين المنفتح الذي يرفض فرض الرقابة على الأعمال الثقافية. لكنّه في الوقت نفسه لا يقبل «المهزلة والاستهزاء بالدين»... المسيحي طبعاً. وأكّد أنّ الكنيسة ليست «مطاوعة تريد تطويع الناس»، والمركز الذي يرأسه «لا يبحث عن الأعمال لمنعها، بل يسألنا الأمن العام عن رأينا ونحن نقدّم النصيحة فقط». وأضاف أنّ موضوع الرقابة حسّاس بالنسبة إلى الكنيسة والأديان.
لكن «انفتاح» أبو كسم اختفى فجأة عندما سألته مديرة الجلسة جيزيل خوري عن منع كتاب «شيفرة دافنتشي» للكاتب دان براون، فقال إن هذا العمل الأدبي «يشوّه الدين وحقيقة لاهوت المسيح... هل هناك ما يذلّ المسيحي أكثر من ذلك؟». ثم أضاف: «أنا لا أخاف على المسيحيين، بل على غير المسيحيين الذين قد يصدقون ما ورد في الكتاب، وبالتالي يصبح ديننا مهزلة أمام الناس». إذاً، أبو كسم خائف على صورة الدين المسيحي أمام أبناء الطوائف الأخرى، لذلك طلب أن تكون «الكتب والأفلام الروائية محترمةً». ولم ينسَ الإشادة بالكاتب الدرامي شكري أنيس فاخوري، المشارك في الجلسة؛ لأنّه «يحترم نفسه». ثم ختم حديثه طالباً من الناس ممارسة رقابة ذاتية على أنفسهم في اختيار ما يقرأونه ويشاهدونه.
اليوم الأول للمؤتمر الذي يختتم اليوم تطرّق بنحو رئيسي إلى موضوع الحريات الثقافية في قطاع غزة، نظراً إلى ارتفاع عدد المشاركين من فلسطين. وتناوب المتحدثون في الجلسة الأولى على وصف وضع الرقابة على الحياة الثقافية في الضفة الغربية والقطاع. هكذا اكتشفنا أن القانون لا يطبّق في الضفة أو في غزة، حيث لا صالات سينمائية أصلاً؛ إذ يستعيض الغزاويون عن هذا النقص بعرض الأفلام في الفنادق، فيما يقتصر الإنتاج على الأشرطة الوثائقية. وتحدثت المحامية الغزّية زينب الغنيمي عن اضطرار بعض الشعراء والكتاب إلى طبع مؤلفاتهم في القاهرة أو رام الله، ومع ذلك فقد مُنعت هذه الأعمال من دخول القطاع. وسلّطت الضوء على فرق الرقص الشعبي مثلاً، التي تعاني الفصل بين الجنسين، بأوامر من حكومة «حماس» التي تفرض رقابة مسبقة على الأعمال الفنية. فيما ذكرت المحامية صبحية جمعة أنّ أغنيات عبد الحليم حافظ، وفيروز، ومحمد عبد الوهاب، تُعَدّ إباحية في جامعات غزّة.
وكما كان أبو كسم مشجّعاً على فرض الرقابة، كذلك كان المحامي الفلسطيني محمد النمر (الضفة الغربية) الذي طالب بقانون رقابة «بسيط على المثقفين بسبب الاقتتال الداخلي (بين «حماس» و«فتح»)». ودافع النمر في مداخلته عن «السيّد الرئيس (محمود عباس) الذي طلب من مديري الأجهزة الأمنية تطبيق قانون الرقابة». لكنّ عدداً كبيراً من المشاركين، من بينهم مسؤول الرقابة في الضفة لمدة عشر سنوات هاني المصري، أكدوا تجاهل المدعين العامين لهذا القانون.
وقبل الجلسات، قُدِّم تقرير يعرض الأفلام التي منعها الأمن العام في لبنان منذ الستينيات لأسباب مختلفة تتنوع بين «المسّ بأمن الدولة»، و«الإساءة إلى الدين» و«خدش الحياء العام» كمشاهد تقبيل بين فتاتين، وصولاً إلى أعمال تبدي «تعاطفاً مع اليهود» (لا الإسرائيليين) وفق الرقيب اللبناني.