القاهرة | ضحك محمد هاشم طويلاً. لم يكن يتوقّع من الأساس أن يُذكر اسمه في مؤتمر صحافي مهم كان يُفترض أن يكشف حقائق متعلقة بقمع المتظاهرين في «ميدان التحرير» أخيراً. وإذا بالناشر المصري يجد نفسه متهماً بـ«تمويل المتظاهرين في التحرير، ومدّهم بالطعام والخوذ». شمل اتهامه أيضاً التحريض على حرق «المجمع العلمي»، وتحريض أطفال الشوارع والبلطجية على أعمال الشغب! تلقّى المثقفون المصريون الاتهام بسخرية، فهاشم المدين أساساً، لا يملك قدرة على تمويل نفسه، فمن أين يموّل كل هؤلاء؟
لكن لا يمكن أخذ اتهامات المجلس بخفّة، خصوصاً أنّ النيابة العامة أرسلت أمر ضبط وإحضار له. اتهام هاشم يشبه الاتهامات الموجّهة إلى علاء عبد الفتاح، المدوّن والناشط الشهير، وإلى حركة «6 أبريل»، بتلقّي تمويلات من الخارج. إنهاك القوى المدنيّة هو الغاية. هاشم الذي وصف الاتهامات الموجّهة إليه بـ«حجة المفلس»، قرر التقدّم ببلاغ ضد المجلس العسكري، بتهمة التشهير والتحريض، رفعه المحامون أحمد سيف، وجمال عيد، وأحمد راغب، وخالد علي إلى النائب العام.
لم ينكر هاشم مساعدته للثوار. ظلّت مكاتب داره «ميريت»، الواقعة في أحد الشوارع الجانبية لميدان التحرير، ملجأً وملاذاً للجميع طوال أيام الثورة الأولى. هاشم نفسه لم يكن يغادر الدار إلا نادراً، بعد الاطمئنان على الثوار. «هؤلاء القتلة الذين عيّنهم مبارك لتصفية شباب مصر والإجهاز عليهم بالرصاص والغاز، وصيد عيون الثوار، لا يملكون الحق في توجيه الاتهام لأحد» يقول هاشم.
وقد رفض المثقفون المصريون في الوقت ذاته اتهامات الأجهزة الأمنية التي يديرها «المجلس العسكري» من استخبارات وأمن وطني وتحريات عسكرية، بينما لا تستطيع هذه الأجهزة تحديد اليد الخفية التي تحرّك الأحداث، وتكتفي بإلقاء الاتهامات جزافاً.
من جهته، وصف وزير الثقافة جابر عصفور، هاشم بأنّه «واحد من أشرف الناشرين وأنشطهم، وأنا أعرفه جيداً، وما أصدّقه أنّ هذا الاتهام جاء بواعز من مباحث أمن الدولة القديمة التي أفسدت البلاد».
واعتبر الروائي حمدي أبو جليل الاتهامات «فبركة ساذجة»، للتأثير سلباً على دور الدار العظيم في الثورة، وهذا ردّ على مواقف هاشم التي كانت دائماً ضد الاستبداد. وقال إبراهيم عبد المجيد: «من الواضح أنّ الموضوع بدأ يأخذ سياقاً غير طبيعي. المجلس العسكري يدخل في خصومة مع المثقفين، في وقت هو في خصومة مع الشعب كله». وكانت مجموعة كبيرة من المثقفين المصريين قد اعتصمت أخيراً في «دار ميريت» للتنديد باتهامات المجلس العسكري «المفلس». واعتبروا الحرب على محمد هاشم «حرباً ضد المثقفين المصريين جميعاً». وهدّد المعتصمون بخطوات تصعيدية، منها الاعتصام في «دار الأوبرا المصريّة»، ودعوا الناشرين العرب إلى التضامن معهم.