بعد تقديمها ضمن «مهرجانات بعلبك الدوليّة» عام 2010. استعادت فرقة كركلاّ «أوبرا الضيعة» في «مسرح إيفوار» (حرش تابت ـ شمال بيروت). لم تتغيّر هيكليّة العرض الذي يقدّم حالياً على الخشبة. الإبهار المشهدي واللوحات الاستعراضيّة ما زالا موجودين مع إضاءة متناسقة لفنيسيو شلّي. وتوزع رسم السينوغرافيا بين سيرجيو ميتالي وجوليانو شيلي. واقتصر التغيير على اثنين من الأبطال، فقدم سيمون عبيد (أحد الفرسان الأربعة)، شخصيّة مزيان التي جسّدها عاصي الحلّاني في مدينة الشمس، وأطلّت إيفون الهاشم في دور ليلى بدلاً من ألين لحّود.
ضاق المكان بالفرقة، فاستفاد المخرج إيفإن كركلا من كل متر مربّع من المسرح. غير أن الحوارات الغنائيّة التي كتبها الشاعر طلال حيدر، لم يأت لحنها متناغماً مع مستوى الكلمة الراقية. بدت الألحان كمن يبحث عن هويّة ضائعة بين الفارسيّة والشرقيّة. ولعل ما أنقذ الحوارات الغنائيّة أحياناً، كان الاستعانة بالفولكلور وبأصوات تركت بصمتها على الساحة الغنائية والمسرحيّة أمثال جوزيف عازار، وهدى، ومع ممثلين استثنائيين أمثال رفعت طربية، وغبريال يمّين ومعهما طوني عاد، وعلي الزين، ونبيل كرم وبيار الفحيلي، وبمشاركة بيرج فازليان. غير أن هذا الجمع، لم يستطع إنقاذ النص الدرامي الذي ينقصه النضج والسياق المنطقي.
هذه الدراما الغنائيّة، تختصر الحياة اليوميّة بما فيها من صراعات، غير أن الإلفة والمحبة ستعودان لتخيّما على الضيعة. تبدأ القصّة بصراع بين حي راس الجرد وحي التل العالي، ويختصر «هبلون» أو المجنون - العاقل (رفعت طربية)، مشاكل الضيعة قائلاً إنّها «تبدأ بمشكلة وتنتهي بلعبة، أو تبدأ بلعبة وتنتهي بمشكلة»، ما يبرر الصلح غير المنطقي في النهاية. ويمكن السؤال عن الإصرار على تقديم حوارات غنائيّة كل الوقت، علماً أن الحوار الكلامي يمنح نكهة أخرى للنص ويريح الجمهور من الموسيقى والأغنيات. ما يؤخذ على العمل الذي أعطى فرصة جيّدة لسيمون عبيد صاحب الصوت الجميل والحضور المتميّز على المسرح الرحباني، أنه لم ينصفه كنجم شاب. البطل لم يقنع الجمهور ببطولاته. وإذا حصلت إيفون الهاشم على فرصة الظهور على خشبة المسرح الغنائي، فهي لم تتمكن من إيصال سوى النذر اليسير من موهبتها وقدراتها. كما أن التركيبة الدراميّة لباقي الشخصيّات تحرم العمل من التشويق المفترض في قصّة مماثلة، وإن كانت كلاسيكيّة ورأينا صراعات مشابهة لها في «جسر القمر» و«ميس الريم» للأخوين رحباني.
منذ لحظة النزاع حتى الصلح، لا يفهم الجمهور أسباب الخلاف، وكيفيّة حلّه بطريقة لا تقنع الأطفال، فكيف أقنعت الممثلين، وكيف ستقنع الجمهور؟ يبقى أنّ العمل يحاكي الواقع السياسي اللبناني، ويدعو إلى الوحدة وتغليب المحبة، ويرتفع العلم اللبناني في الخلفية ليطغى على وجوه الممثلين والفرقة.