«مدينة مجاورة للأرض» هو عنوان كتاب قصص مصوّرة لجورج مهيّا صدر أخيراً عن «دار قنبز». ليست تلك المدينة المجاورة للأرض سوى بيروت. رسوم بالأبيض والأسود، ورواية عن فريد طويل الذي يعود من العمل إلى بيته، لكنّه لا يجده. فريد نحات فقد الأمل في متابعة حياته كفنان وانصرف إلى تأمين عيشه، فانتقل إلى العمل موظفاً في شركة تأمين. هكذا، انتهت هذه الحياة في استهلاك وقته. تزوج، وغرق في روتين الحياة اليومية التي لا تنتهي مشاكلها. ولم يكن ينقصه سوى أن يعود في أحد الأيام إلى بيته، فلا يجد المنزل، ولا البناية، ولا عائلته، ليبدأ رحلته بالبحث عنه. يصادف في طريقه بعض المارة الذين سوف يهزأون به. بائعة هوى تقترح عليه تجربة جنسية مختلفة. ثم يقصد بيت صديقه الذي لم يره منذ زمن، فيكتشف حياته الجديدة وحبيبته التي يسكن معها. شخصيات مختلفة لن تساعد فريد. بل على العكس، سوف تزيد حالته الذهنية تشوّشاً، وتدفعه إلى طرح المزيد من الأسئلة. في نهاية المطاف، سوف يلتقي برجل يزعم معرفة ما يحصل، وسوف يحاول تنبيه بطلنا إلى الرجل الوطواط الذي يحكم المدينة. ينتهي الكتاب من دون انتهاء القصة، فهذا ليس سوى الجزء الأول، وسوف يتبعه المؤلف بجزء ثان.

يستعمل مهيّا في نصه لغة ممزوجة بين العربيّة الفصحى والعاميّة اللبنانية، ويفتتح روايته بنص من سفر «ارميا» من كتاب العهد القديم، ويبقى طيف الروايات من الكتب المقدسة مسيطراً على الرواية، موحياً بمعالم يوم الآخرة. صحيح أنّ القالب العام للقصة مثير للاهتمام، حتى تقديم بيروت كمدينة خارجة عن الأرض، وتضمينها ذاك السياق العبثيّ لاختفاء بيت فريد طويل، ولقاءاته الغرائبيّة مع أصدقائه أو حتى من لا يعرفهم، ولكن الضعف يظهر في التفاصيل وفي تتابع الأحداث.
ويبقى الشعور طوال مطالعة تلك القصص المصوّرة أن النص أتى في مرحلة ما بعد الرسم الذي يبقى أقوى بكثير من السرد المطروح. مذهلة الرسوم التي يقدمها لنا مهيّا ضمن «مدينة مجاورة للأرض». دقيقة جداً، وغنية في تفاصيلها. يظهر من خلالها التنوع المشهدي الذي نقع عليه في مدينة بيروت، وأزقتها، وشوارعها الضيقة، وكذلك الفروقات بين الشوارع شبه الفارغة، والأخرى التي تقتحمها الإعلانات. كذلك هي لافتة ترجمة ريشته لليل البارد والعبثي في روايته. ويأتي الإخراج العام ليضيف جماليّة خاصة على المشهديّة الصوريّة، ولخدمة التخبط الذي يعيشه بطل القصة. عمل متقن في رسومه، كان يمكن تقديمه من دون الحاجة إلى إرفاقه برواية لم تضف الكثير إلى ما تقدّمه الرسوم. وقّع جورج مهيّا «مدينة مجاورة للأرض» نهار الأربعاء الماضي في فضاء «أشكال ألوان». وتمكن الحضور من معاينة ـــ عن كثب ـــ الرسوم الأصليّة المستعملة في الكتاب التي كانت معروضة على نحو منفصل. وفي انتظار الجزء الثاني من «مدينة مجاورة للأرض»، يمكن الجزء الأول أن يكون هدية لمن تحبّون، لعلّهم يضيفون بعض التشويق إلى روتين حياتهم اليومية!