كما العام الماضي، غابت الأوضاع الأمنية والتوترات السياسية وحظيت الحياة الثقافية بسنة عادية، واستأنفت بيروت دورها الطبيعي كعاصمة دائمة للنشر والفنون الحديثة والأسئلة المعاصرة. هكذا، امتلأت الأجندات بالنشاطات، وكان آخرها «معرض الكتاب الفرنكفوني»، و«معرض بيروت العربي والدولي» وحفلات فيروز في مسرح «بلاتيا».
بينما حملت نهاية العام أخباراً سيئة عن احتمال إقفال «مسرح بيروت»، الذي صنع جزءاً من صورة المدينة، وأعاد إليها بعضاً من وهجها بعد توقف الحرب الأهلية.

المسرح على أي حال أكمل تراجعه الذي بدأ في الأعوام الأخيرة. غابت البرمجة السنوية في مسارح: «المدينة» و«دوار الشمس» و«مونو»، و«بابل». تضاءل عدد العروض المحلية، بينما انعدمت استضافة عروض عربية وأجنبية كانت تضيف نكهة مختلفة إلى خشبات المسرح. حضر المسرحي الفلسطيني فرانسوا أبو سالم استثناءً في عرض «في ظلّ الشهيد» لينتحر بعدها في رام الله.
محلياً، شاهدنا عروضاً متفاوتة، فقدّم المخرج العراقي جواد الأسدي نسخة جديدة من مسرحيته «نساء في الحرب»، وشاهدنا «دون كيشوت» لمروان الرحباني و«بلا تحشيش» لميشال جبر، و«سجن النساء» للينا أبيض، و«تقاسيم ما بعد العراك» لناجي صوراتي، الذي أثار سجالاً حول أسلوبية العمل على الممثلين، وانتهى بإبعاده عن التدريس في «الجامعة اللبنانية الأميركية». في المقابل، أقيمت الدورة الثالثة لـ «ملتقى الرقص المعاصر» الذي تنظمه جمعية «مقامات» وقدمت فيه عروضاً لافتة، بينما حظي الجمهور بعرض استثنائي هو «حديقة الملذات» للإسبانية بيانكا لي ضمن «مهرجان ربيع بيروت» الذي احتضن عرضاً مسرحياً لريحانة وحفلة لريما خشيش. مهرجانات الصيف في بعلبك وبيت الدين وجبيل أقيمت في موعدها أيضاً، وضمت عروضاً متنوعة كالعادة. وشهدت بيروت حفلات أخرى لسعاد ماسي وهندي زهرة وغالية بن علي ووردة الجزائرية. وأحدثت فرقة «بلاسيبو» البريطانية سجالاً حاداً على خلفية دعوى قضائية أقامها منظم حفلاتها البيروتية ضد الجهات التي دعت لمقاطعتها. حال السينما كانت مشابهة، إذْ أقيم «مهرجان بيروت السينمائي الدولي» في موعده، وكذلك «مهرجان السينما الأوروبية» و«شاشات الواقع» و«مهرجان السينما الوثائقية»، بينما شهدت الصالات عروضاً تجارية لفيلم «الجبل» لغسان سلهب، و«وهلأ لوين؟» لنادين لبكي الذي شهد إقبالاً جماهيراً واسعاً، مقابل استمرار الرقابة ومنع عرض فيلم «بيروت بالليل» لدانيال عربيد.

على صعيد النشر، شهدت الرواية حضوراً قوياً. هكذا، صدرت «سينالكول» لإلياس خوري، و«ملكوت هذه الأرض» لهدى بركات، و«تبليط البحر» لرشيد الضعيف، و«صاحبة الدار شهرزاد» لحنان الشيخ، و«نساء يوسف» للينا كريدية، و«ماكنة الخياطة» لمي منسى، و«علي الأميركاني» لهالة كوثراني، و«طيور الهوليداي إن» لربيع جابر الذي اختيرت روايته الأخرى «دروز بلغراد» في القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» العربية، بينما أصدر عباس بيضون رواية «ألبوم الخسارة». عناوين الشعر تراجع عددها للسنة الثانية، فقرأنا ديوان «من أخذ النظرة التي تركتها أمام الباب» الذي فضّل وديع سعادة نشره على الإنترنت اعتراضاً على سياسات دور النشر... وعلى الصعيد نفسه، صدرت عناوين مهمة مثل «الديمقراطية ثورة» لفواز طرابلسي، و«مصر تحت النقاب» لدلال البزري، و«ثورات القوة الناعمة» لعلي حرب، بينما منحت فرنسا وساماً برتبة فارس لكل من الياس خوري والكسندر نجار، وفاز الشاعر محمد علي شمس الدين بجائزة «العويس»، وعادت مجلة «الطريق» إلى الصدور بعد توقف 8 سنوات.
أخيراً نشير إلى احتضان الصالات لمعارض مميزة هذا العام. إذْ شهد «مركز بيروت للمعارض» خمسة مواعيد ضخمة: «معرض الفن الإيراني المعاصر»، و«معرض الفن العراقي المعاصر»، ومعرضاً لأكثر من 40 فناناً لبنانياً بعنوان «الولادة من جديد»، إضافةً إلى معرضين استعاديين لسمير خداج وسلوى روضة شقير. أخيراً، لا تكتمل جردة السنة من دون ذكر رحيل المؤرخ كمال الصليبي، والشاعر فؤاد رفقة، والموسيقار وليد غلمية.