كان علينا أن نحصي الخسائر أكثر مما نفتّش عن الواجهات الثقافية المضاءة في الشارع السوري عام 2011. عام استثنائي يحتاج إلى معجم جديد لمفردات الكتابة. كانت الفجيعة الأولى رحيل السينمائي عمر أميرلاي (5 فبراير ــــ الصورة) قبل هبوب «الربيع السوري». ليس من قبيل تمجيد الموتى أن نقول إنّ صاحب «طوفان في بلاد البعث» ترك يتامى وأبناءً وتلاميذ بغيابه المباغت. وضع توقيعه على بيان التضامن مع ثورة «ميدان التحرير» المصرية، ثم رحل قبل أن يؤرخ بصرياً صحوة الشارع السوري.
في آذار (مارس)، اختبرت أمهات سوريات قدرتهن على الاحتجاج أمام مبنى وزارة الداخلية في ساحة المرجة للمطالبة بالإفراج عن معتقلين من دون محاكمة، لكن البطش الأمني أحبط المحاولة. كان المفكر الطيب تيزيني في المكان، وعندما احتج على العنف الذي وقع على امرأة وابنتها، تعرّض للضرب والاعتقال.
منذ ذلك التوقيت، باتت سوريا خبراً عاجلاً على الشاشات، وصورة مهتزّة بعدسات الهاتف الخلوي (هناك من يراهن على بزوغ سينما وثائقية جديدة في سوريا، تدير ظهرها للمنجز السابق). التظاهرة التي انطلقت من ساحة الجامع الأموي، كانت إيذاناً بتمرّد شباب مثقفين استعاروا مشهد ميدان التحرير من دون أن يعبأوا بهشاشة أرضهم. لم يجد المثقفون ما يفعلونه هنا سوى توقيع البيانات المتتالية ضد عنف السلطة. سينال «بيان الحليب» الذي وقّعه فنانون بخصوص أحداث درعا، حصته من الشهرة والتشهير المضاد ثم تلاه «بيان السينمائيين» لوقف العنف والقتل الذي ووجه بحملة مضادة وبـ«بيان سينمائي الداخل» الذي شكك في وطنية موقّعي البيان الأول. فيما صمتت النقابات الفنيّة والاتحادات الرسمية، عدا بيان هزيل لاتحاد الكتاب العرب. ستتسلل أسماء مثقفين في لوائح المعتقلين، وتهديدات خشنة بحق آخرين، مثل الناشطة ريم فليحان، والممثلتين مي سكاف، وفدوى سليمان، والأخوين ملص، والسينمائيين نضال حسن، وفراس فيّاض، والروائية سمر يزبك (غادرت إلى باريس). لكن اختطاف رسام الكاريكاتور علي فرزات والاعتداء عليه، ومحاولة تهشيم أصابعه ووجهه، أيقظ الوسط الثقافي على مأساة غير مسبوقة، وخصوصاً أنّ فرزات دأب منذ انطلاقة الانتفاضة السورية على نشر رسومه التضامنية مع الشارع. ولم يسلم الروائي نبيل سليمان من الأذى وشعارات التخوين، وقبلهما الشاعر أدونيس إثر رسالته التي وجهها إلى الرئيس بشار الأسد وأثارت لغطاً مزدوجاً لدى الموالاة والمعارضة. بغياب المنابر الرسمية، لجأ المثقفون السوريون إلى الفضاء الافتراضي كساحة بديلة للتعبير. لكنّ غبار المعارك الافتراضية سيتكشف عن حملات تخوين وإقصاء.
في هذا المناخ المشحون، يصعب تقويم المشهد الثقافي السوري. ورغم أن المؤسسات الرسمية سعت إلى الاستمرار ببرامجها مثل دار الأوبرا، والمسرح القومي، أُعلن تأجيل مهرجان دمشق السينمائي وأغلقت الغاليريات أبوابها، وألغت المهرجانات الثقافية الأهلية مواعيدها، وضاعت في الزحام أعمال روائية لافتة صدرت هذا العام مثل «حجر السرائر» لنبيل سليمان، و«نساء الخيال» لممدوح عزام، و«بروفا» لروزا ياسين حسن.