لعلّ زيارة الشاعر الكبير مظفر النواب (1934 ـــــ الصورة) لبغداد في أيار (مايو) مثّلت حدثاً ثقافيّاً ووطنيّاً احتل واجهة المشهد الثقافي في بلاد الرافدين عام 2011. مثقفو العراق، بفضل احتجاجهم المتواصل، نجحوا أيضاً هذا العام في المحافظة على تراث الشاعر محمد مهدي الجواهري (1899 ــــ 1997)؛ إذ منعوا بيع بيته في بغداد وتحويله إلى مبنى تجاريّ.المبدعون الذين رحلوا هذا العام كثيرون، لعلّ أبرزهم الفنّان المسرحيّ هادي المهدي الذي اغتيل في أيلول (سبتمبر) الماضي، والنحّات الرائد محمد غني حكمت، والناقد الموسيقيّ عادل الهاشمي الذي رحل بنحو مفاجئ في القاهرة، ثمّ القاص الرائد محمود عبد الوهاب. ومن بين الراحلين أيضاً: عالم الآثار دوني جورج، والناقدان قاسم علوان وعدنان قطب، والشاعر والصحافيّ محمد درويش علي (بعد إهمال المناشدات لإنقاذه)، وزميله سلام الناصر، والشاعران مهدي محمد علي (توفي في حلب)، وعلي الشباني من دون أن ننسى العلامة اللغويّ نعمة رحيم العزاوي، والأديب محمود زامدار، وأخيراً الفنّان والشاعر خالد دلير.

وإذا تحدّثنا عن نصيب العراق هذا العام من المنظمات الثقافيّة الجديدة، فإنّه لم يكن في مستوى الأعوام التي سبقته. بل إنّ مبادرة منظّمة «بغداد الفتاة» التي أطلقها الشاعر عبد الخالق كيطان، لم تبصر النور منذ أشهر مع عودة صاحبها الى مهجره الأوستراليّ. فيما أعلن تأسيس منظّمات أخرى لم نشهد نشاطاً واضحاً لها بعد، مثل تجمّع «بغداد نحن» الذي أطلقه الموسيقي نصير شمّة رداً على اختيار «مجموعة ميرسر للاستشارات» لبغداد كأسوأ مكان للعيش في العالم.
وضمن الظواهر البارزة خلال الأشهر الماضية، أسّس المثقفون العراقيون مجموعات للتواصل والحوار على موقع فايسبوك، جاءت أشبه بالمقاهي الإلكترونيّة، مثل «جيل ما بعد التغيير» عن الشعراء الذين ظهروا بعد الاجتياح الأميركيّ، أو «نريد أن نعرف» لتحري الحقائق والأحداث بلغة شفافة ومسؤولة، و«أنفي يطلق الروايات» التي يشرف عليها الروائي أحمد سعداوي لعرض نتاجات سرديّة عراقيّة وعربيّة وعالميّة.
الناشطون والمثقفون تفاعلوا أيضاً مع الربيع العربي منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، فأصدروا بيانات وخرجوا في وقفات تضامنيّة في ساحات بغداد العامّة. ثمّ انخرط كثيرون منهم في دعم التظاهرات الشعبيّة التي انطلقت في شباط (فبراير) الماضي ضدّ الفساد وتردي الأوضاع في العراق، حتّى إنّ بعضهم تعرّض للاعتقال والإهانة من الأجهزة الأمنيّة.
ورغم الحراك الثقافي، إلا أنّ الرغبة في مغادرة البلد راودت الكثير من المثقفين والفنانين بسبب حالة الإحباط العامة واشتداد الصراعات السياسيّة وحالة عدم الاستقرار التي يشهدها العراق. الشاعر شاكر لعيبي الذي عاد قبل أشهر بنية الإقامة النهائيّة في بغداد والعودة إلى سلك الجامعة، سرعان ما غيّر وجهته إلى تونس مجدداً.
ورغم القتامة التي تحيط بالمشهد في أحيان كثيرة، غير أنّه لم يخلُ من إضاءات ونجاحات هنا وهناك، من بينها إقامة الدورة الأولى من «معرض بغداد الدوليّ للكتاب» ومهرجانات «عالم الشعر» في النجف، و«منتدى المسرح»، و«مهرجان العراق الدولي للفيلم القصير»...
سينمائيّاً، حقق العراق أكثر من فوز في مناسبات متعدّدة. هكذا، فاز وثائقي «كولا» ليحيى العلاق بالجائزة الثانية من «مهرجان الخليج السينمائي» في دبي، ثمّ نال جائزة أفضل شريط وثائقيّ في «مهرجان بيروت الدولي للسينما»، وحصل فيلم قتيبة الجنابي «الرحيل من بغداد» على جائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان الخليج نفسه. وفي مهرجان دبي السينمائيّ الأخير، فاز فيلم المخرج ساهم عمر «أرض الأبطال» بالجائزة الثانية في مسابقة المهر العربيّ للفيلم القصير، مثلما حاز «حلبجة ـــ الأطفال المفقودون» لأكرم حيدو جائزة لجنة التحكيم الخاصّة للأفلام الوثائقيّة.
في مقابل ذلك، أقيمت مهرجانات محلية مثل «مهرجان بغداد السينمائيّ الدوليّ» الذي يقول نقّاد إنّه «لم يفشل تماماً، لكنّه شهد إخفاقات تنظيميّة واضحة». والأمر نفسه ينطبق على «مهرجان مربد للشعر» في البصرة؛ إذ لم يكن ينجح في تجاوز أخطاء السنوات الماضية.
قضية تسويق الكتاب العراقيّ بقيت على حالها في سياق بحث الكتّاب عن دور نشر عربيّة لتسويق نتاجهم، وعجز دور محليّة كثيرة عن دخول سوق الكتاب والترويج لمطبوعاتها لأكثر من سبب، فيمال واصلت دور تأسّست في الخارج قبل عام 2003 حضورها في معارض الكتب العربيّة والأجنبيّة مثل «الجمل» و«المدى».