لم يكن المشهد الثقافي في فلسطين يوماً بمعزل عما يحدث حوله. ولم يتغيّر الوضع هذه السنة، بل لعلّه ازداد ارتباطاً بمحيطه العربي، مع هبوب نسائم الربيع العربي، الذي أفرز جيلاً جديداً من المبدعين الشباب، الذين احتلوا الواجهة الثقافية بقوة. في الأشهر الأولى من العام، ظهرت أغنيات فلسطينية عديدة داعمةً لثورتي تونس ومصر. ومن أكثر الأغاني التي حصدت نجاحات على المستويين الفلسطيني والعربي كانت «الثورة الخضراء»، التي عملت عليها مجموعة من الموسيقيين الفلسطينيين الشباب في الداخل المحتل، إضافة إلى الإنتاجات الفنّية البصرية التي صمّمها فنانون في فلسطين والشتات، منهم: عامر الشوملي، وأمل كعوش، ونضال الخيري، وحافظ عمر، وضياء العزة وباسل ناصر، وقد عرضت بلدية رام الله هذه الإنتاجات ضمن مهرجانها الفنّي الصيفي السنوي «وين عَ رام الله».
ولعلّ صيف فلسطين في عام 2011 يستحقّ لقب «فلسطين والثورات العربية». ذاك الصيف كان حافلاً بالموسيقى في الأراضي المحتلة عام 67، وخصوصاً رام الله، من خلال «مهرجان فلسطين الدولي»، الذي ينظمه «مركز الفنّ الشعبي». أصرّ هذا الأخير على أن تكون ثيمتا الشباب والثورات هما الأساسيتين. فقد حضر إلى رام الله كلّ من فرقة «وسط البلد» المصرية، وإيمان البحر درويش، والفنانة الأردنية مكادي نحاس، والجزائرية سعاد الماسي، التي جاءت للمرة الثانية.

في تموز (يوليو)، نظمت بلدية رام الله مهرجانها «وين عَ رام الله»، حيث حضرت ثيمة الشباب في الأمسيات الموسيقية والشعرية. واحتضنت أمسيتان كتّاباً وشعراء شباباً في فلسطين والشتات (عبر سكايب)، إضافةً إلى «مهرجان القدس 2011»، التابع لـ «مؤسسة يبوس للإنتاج الفنّي» الذي شهد احتفالاً بالثورات العربية من خلال برنامجه.
في فلسطين، كما في الوطن العربي، كان الموت حاضراً في المشهد الثقافي بقسوة. بداية، صُدم المسرح الفلسطيني بمقتل المخرج جوليانو مير خميس في مخيم جنين في نيسان (أبريل) الماضي. وحتى الآن، لم تظهر نتائج للتحقيقات بشأن هوية قاتل هذا الفنان، الذي انتقل تابوته من حيفا إلى جنين مروراً بحاجز الاحتلال. وفي أيلول (سبتمبر)، رحل أيضاً الفنان سامي مطر، تاركاً وراءه فراغاً في المشهد الموسيقي في يافا وحيفا ورام الله، علماً أنّه عمل على أغنية «الثورة الخضراء». أما الصدمة الأخيرة، فكانت مزدوجة: في بحر يومين، انتحر المخرج الفلسطيني فرانسوا أبو سالم، ثم مات الشاعر والأديب الصفوريّ الكبير طه محمد علي، الذي كتب عن بلدته صفورية ليرقد فيها من جديد بعدما مات بعيداً عنها.
تبقى القضايا الأكثر جدلاً في فلسطين التاريخية إجمالاً متعلقة بالمقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل. في الأشهر الأخيرة، ازداد النقاش وخُصصت ندوات للحديث في هذه القضية، مثل ندوات «سيرة وانفتحت» التي أقامها «مسرح الميدان»، وموقع «قديتا» الثقافي. واستعاد النقاش زخمه مع إقامة «مهرجان العود الإسرائيلي» في القدس المحتلة، الذي شارك فيه بعض الفنانين والفرق الفلسطينية، مما أثار ضجة إعلامية كبيرة. وكان الوحيد الذي انسحب من المهرجان هو الفنان الفلسطيني حسام حايك.
أيضاً، كان 2011 مليئاً بالإنتاجات والإصدارات والمهرجانات الفنية والثقافية والأدبية، التي جاءت بمبادرة من أفراد ومؤسسات في آن واحد. منذ الاحتلال، مثّلت الثقافة النافذة والمرآة التي تعكس حياة الفلسطينيين أينما كانوا. ومن خلالها، وصلت أصواتهم إلى العالم كلّه. وانتهى العام بفوز فلسطين بالعضوية الكاملة في منظمة التربية والعلوم والثقافة (الأونيسكو).