2011 كانت سنة القنوات الإخبارية العربية بقدر ما كانت سنة الشعوب العربية. هكذا خاضت الأنظمة حروبها ضد الشعوب والتلفزيونات. وإن كانت الحرب ضد الشعوب واضحة، فالتضييق على الفضائيات جرى بالتشويش، واقتحام المكاتب، ومطاردة المراسلين... وحتى الساعة لا الشعوب انتصرت بعد، ولا الفضائيات اجتازت جميع الاختبارات. إذاً كانت 2011 سنة عودة الجمهور من فضائيات المنوّعات إلى الأخبار بعد غياب 5 سنوات، أي منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006. وبدا أن السنة تدور بين فعلَين متناقضَين: إدمان الأخبار، والتشكيك فيها.

البداية من تونس. هناك لم يكن الغياب الإعلامي وحده مسؤولاً عن تأخر انتشار خبر الثورة. اليأس من الوضع العربي أخّر الاهتمام بالحراك الشعبي. بثت فضائيات معدودة لقطات قليلة نقلاً عن ناشطين، ولم تبذل جهداً لنقل ما يجري داخل تونس. وفجأةً وفي أيام متتالية، شاهدنا الاعتذارات الرئاسية المتلاحقة. ثم طار الرئيس واستمعنا إلى مذيعة «الجزيرة» تبشّرنا بالخبر: «غاااادر البلاد» قالتها كأنما لتؤكدها أو لتصدقها. وبدا أن المستحيل بات ممكناً، فتسابقت القنوات لنقل «المجرم هرب»، و«لقد هرمنا». وبدأ المُشاهد العربي يتعرّف إلى تونس والحرية معاً.
وفجأة، بدأت المحطات تتساءل عن مصر. وسرعان ما احتلّت «ثورة النيل» الشاشات. كانت تلك الثورة النموذجية من الشعب المقهور ضد الدكتاتور. لم يكن ثمة «ناتو» ولا «ممانعة» ولا احتراب أهلي. كانت تونس الاختبار الأول في المعمل. أما مصر، فهي التأكيد والبرهان. ربما لهذا سرعان ما انتصرت الثورة، وإن اتضح لاحقاً أنها اجتازت مرحلتها الأولى فقط. مع ذلك، كانت فضائيات التعاون الخليجي قلقة ومضطربة عدا «الجزيرة»، التي قدمت دعماً هائلاً للاحتجاجات الشعبية باستثناء حالة البحرين. أما «العربية» وأخواتها، فلم ترَ في مصر سوى فرعونها، وظلت تسمّي الثورة «الأزمة». وعندما ذهب مبارك، أطلقت على الحدث عنوان «مصر ما بعد مبارك»، كأنها ترفض لفظ اسم مصر بلا فرعون.
وما لبثت «العربية» أن أطلقت العنان لـ«مشاعرها» عندما انتفض الليبيون، فسمّتها «ثورة» حتى قبل أن تترسخ. وتنافست مع «الجزيرة» في دعم التحرّك الشعبي ضدّ القذافي. إذاً اتفقت الفضائيتان على دعم الثورة الليبية تماماً كما اتفقتا على العكس في البحرين. هناك بدت التغطية شبه غائبة ولا شيء على الأرض أكثر من حركات طائفية ثم ظلام دامس!

وبين هذا وذاك، جاء تناول القناتين للثورة اليمنية متفاوتاً: تغطية «الجزيرة» واسعة، فيما تحرّكت «العربية» بهدوء كمن يتحرك في ساحته الخلفية، لأن الخبر الحقيقي كان يدور في قصور الرياض. لم تنقسم الفضائيات حقاً إلا في بدايات التحركات السورية. وبينما اعترفت «العربية» فوراً بالثورة، تباطأت «الجزيرة» حتى جاء فيديو قرية البيضا، فلحقت بـ«العربية» حتى تخطتها. وبلغ التصعيد ذروته ثم استقر مع معادلة الصراع السوري القائم منذ أشهر بلا حسم، فإذا بالثورة تتحول إلى أرقام قتلى تتزايد مع نهاية الأسبوع، وصور مدرعات تتحرك على الطرق السريعة. ماذا بعد؟ التلفزيونات الرسمية؟ لا اختلاف بينها سوى في درجة الكذب وإن كانت كل كذبة تشبه نظامها: مسخرة في تلفزيون القذافي، «عصابات إرهابية ومندسون» في تلفزيون الشام، وأكاذيب تفيض عن حاجة الثمانين مليون مواطن في «ماسبيرو». أما في البحرين واليمن، فالشعوب تحب رئيسها وملكها.
لكن بين الفضائيات العربية وتلك الرسمية، برز نجم جديد على المشهد الإعلامي: إنها مواقع التواصل الاجتماعي التي قلبت الصورة والمعادلة. هكذا مع التضييق على المحطات، لجأ الثوار إلى تويتر وفايسبوك ويوتيوب لنقل المشهد على الأرض. واستعانت الفضائيات العربية بهذه الأشرطة لتعويض النقص في الصور المباشرة، بعدما منعتها الأنظمة من ممارسة عملها.